لا يفل الدكتاتور إلاّ دكتاتور

كأني أرى هتلر وستالين وماو ومعهم كبيرهم فرعون مجتمعين وهم في حالة هياج وغضب على ما وصل إليه حال بعض الطغاة على وجه الأرض، لابد أنهم منزعجون وهم يرون كيف صار التقليد والاستنساخ طاغياً حتى على الطغاة، أولئك الذين يحاولون تتبع خطاهم وتقليدهم، حتى أصبح الدكتاتور رديئاً غير أصلي، إلى درجة أنه يعتذر!، الدكتاتور الحديث لم يعد مثل أسلافه الأوائل، من يصدق ان دكتاتوراً يعتذر!؟، وممن؟ من شعب ضعيف مسكين، مؤكد ان نادي الدكتاتورية سيطرده من العضوية ولن يسمح له بعد هذا الاعتذار ان يكون ولا عضواً مراقباً، لابد ان هتلر وستالين وماو الآن في حالة ندم وقهر مما وصل إليه بعض أحفادهم وتلاميذهم من الذل والمهانة، حتى ان منازلهم يتم تفتيشها!
الله أكبر على أيام زمان، في السابق كان الدكتاتور إذا “انزنق” ينتحر ببساطة، ولنا في هتلر مثال لا يشق له غبار، كان الطغاة الرواد الأوائل يحرصون كل الحرص على لبس خواتم مفصصة، ليس للزينة فقط، بل لتكون بما في فصوصها من سم ناجع في متناول اليد، لأنهم أصحاب مبادئ في دكتاتوريتهم، ولم يكونوا يضحكون على أنفسهم ولا على الآخرين فيضعون سماً مقلداً!، بل كانوا يجلبون السم من أقاصي الأرض، سم سريع المفعول يليق بالطاغية، يدفعون له أثمان باهضة من دماء الشعوب، لكن هذا زمن عجيب حتى في صناعة الدكتاتور، زمن لم يعد فيه شيء أصلي، حتى في هذا الأمر لا يتم التقليد بشكل متقن!، إذا كان للدكتاتور مشيته الخاصة وليدة حركة فريدة، لأنه خاص، لا يولد مثله في القرن الواحد إلاّ واحداً، فلابد ان له نهاية خاصة تليق بمقامه، فالنهايات البسيطة والمتواضعة للبسطاء والمتواضعين، لكن الأمور اختلفت وتغيرت بل وصل الأمر بطغاة العصر إلى حد صناعة أشباه لهم وتقديمهم للناس على أنهم.. هم!!، هل رأيتم إلى أي درجة وصلت مهانة الدكتاتور، وإلاّ من يمكن له ان يشبه الدكتاتور المتفرد والذي يلهج بحياته أفراد الشعب في كل شهيق وزفير، من يتجرأ ليكون شبيهاً بالدكتاتور إلاّ مخبول لا يعرف مقامه، ثم من الذي يضمن ان لا يصدق شبيهاً نفسه ويدعي والعياذ بالله لنفسه.. الدكتاتورية!، إلى هذا الحد تلاعب طغاة العصر بهذه المهنة القديمة الضاربة الجذور في التاريخ، ضاربين بعرض الحائط تعليمات الأسلاف في كتبهم الحمراء والصفراء، هكذا ضاعت الأمة المسكينة بين منافق وطاغية من ورق، دكتاتور يعتذر هرباً من دكتاتور آخر، والاعتذار هو الاعتذار سواء جاء على لسان الدكتاتور أو باسمه وصوت أحد العاملين معه، لكن هذا مصداقاً للقول.. لا يفل الدكتاتور إلاّ دكتاتور، الأول كان ولا زال دكتاتوراً على شعبه طامعاً في الجيران.. جرب ولم ينجح، والثاني دكتاتور على غير شعبه يحاول جاهداً ان يضم شعبه إلى القائمة ولو من خلال تحويلهم إلى أشباه له صغار، ويبدو ان الأرض فعلاً تحولت إلى قرية ولم تعد تستوعب إلاّ دكتاتوراً واحداً في كل مرحلة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.