مؤخراً اكتشف الناس أنهم يحلمون، وان لأحلامهم معاني مخفية ولفك الالغاز أصبحت برامج تفسير الأحلام في القنوات التلفزيونية تزاحم برامج الطبخ واعلانات الفيديو كليب، وصعدت هذه “الصرعة” للسطح منذ سنوات قليلة، لم نشاهدها بهذه الكثافة والحرص على المتابعة من المشاهدين إلا منذ قرابة أربع سنوات، فهل كان الناس قبل هذه السنوات لا يحلمون يا ترى؟، وما الذي جعل التزاحم والتنافس يندلع ويشتعل حتى بين الفضائيات والمطبوعات، وإذا كنا نستهزئ ببعض البرامج الفضائية التي تخوض في الأبراج والحظ، أو تلك المضحكة التي تقرأ الكف فضائياً، فهل هناك علاقة قرابة بين هذه وتلك؟ أعلم الفارق بينهما وان لتعبير الرؤيا اصلاً في الشرع، أقول هذا حتى لا يضيّع احد وقته في محاولة الشرح، لكن ما أشير اليه هو حجم الظاهرة، وتكالب الناس عليها، وإذا أردت التأكد فراقب أي واحدة من القنوات لترى العجب العجاب، حيث يقوم فيها بعض المفسرين أو المعبرين بفك الغاز الأحلام بكلام شبه موثق بالاسماء والاحداث التي ستحصل بثقة عجيبة لا ينقصها إلا التواريخ والساعات، مع ما في هذا من الرجم بالغيب والله سبحانه وتعالى وحده هو {عالم الغيب والشهادة}، ولا أشك لحظة في ان هناك من الاخوة المفسرين من الثقاة الذين يحرصون كل الحرص على الابتعاد عن كل ما يمس العقيدة، لكن انفتاح الباب بهذا الشكل الواسع والترويج له من القنوات تسولاً لعيون المشاهدين، واتصالاتهم، يوجد فرصة للمتلاعبين، وانتشار البث الفضائي وتصاعد حمى المنافسة إلى حد رخيص لجلب المشاهد، ساهم إلى حد بعيد في تضخم هذه الظاهرة، وأكثر الاتصالات من مجتمعنا، وفي هذه الظاهرة من التوهم والوهم الشيء الكثير، وهكذا أصبح للنوم وظيفة أخرى غير الراحة وهي استحلاب الأحلام، فلابد ان يكون هناك حلم الليلة وقد لا يختلف عن فلمها إلا بدخول بطل جديد، ومن الممكن ان يعود البعض إلى النوم لانهم لم يحلموا تلك الليلة كما يجب، أو ليكملوا حلماً انقطع في منتصفه،.. يتابعون أحلامهم مثلما يتابعون الشائعات، وتكاد تتحول الأحلام إلى بوصلة لهم تحدد توجهاتهم وعلاقاتهم، نقطة التوجيه فيها ذلك المعبر أو تلك القناة، اما صباحهم فيتحول إلى اجتماع تروى فيه أحلام الليلة السابقة وعلى أساسه يوضع جدول الاجتماع.
ولا يتوفر لدينا دارسون اجتماعيون حقيقيون لمعرفة اسباب مثل هذه الظاهرة، مثل ظواهر كثيرة سبقتها ظهرت وعششت وفرخت، رغم تعدد اقسام علم الاجتماع وأساتذته، ولابد ان اولئك الذين لا يحلمون في نومهم يواجهون مشكلة وشعوراً بالنقص فليس لديهم ما يفسر، ولا يتوفر لهم اشارات تضيء ملامح ايامهم المقبلة مثل اخوانهم الحالمين الذين ينتظرون بترقب، كلمة على لسان أحدهم وهذا في حد ذاته بحاجة إلى تفسير.