حيوانات التجارب

إلحاح هاتفي غير معهود من صديق قديم، وبعد الرد علمت أن سبب الإلحاح ليس الشوق ولا اللهفة بل عثوره على سلعة يعتقد أنها خطيرة على الصحة!؟، وللعلم فإن صديقي العزيز من المهمومين بالرشاقة والريجيم لذلك فهو قد استعاض عن الأكل.. بالأكل!، وأصبح خبيراً بالمسليات من بسكويت، ولبان وحلوى إلى آخره، ومع كل هذا الحرص لازال يتمدد بالعرض، وبصوت فيه من الحنق ما فيه أخبرني عن شرائه حلوى وعليها عبارة باللغة العربية تقول: “استخدام هذا المنتج قد يكون ضارا بصحتك، لأنه يحتوي على سيكرين الذي وجد أنه مسبب للسرطان في حيوانات التجارب”، ولم يعترض صديقي على الجملة الأولى، ما أزعجه هو الجملة الأخيرة، قلت له مع الاحترام والتقدير هل لديك شك في أن تكون من حيوانات التجارب؟، قال لا، قلت ولا أنا، رغم أن نظراتنا لبعض فيها ما فيها!، وللخروج من أسر الشك المتبادل تساءل هو قائلا وهل لغة حيوانات التجارب هي اللغة العربية؟، ولم أجد إجابة شافية، وهو ينتظر مني تفسيراً، بعد ذلك قمت بالاتصال بعدد من خبراء الاستهلاك وهم كثر ممن طور قدراته الذاتية بعصامية فريدة مستثمراً الإمكانات الاستهلاكية المحلية المتاحة، وبعد تفكير وصلت إلى نتيجة لا تدل سوى على قصر نظر المستهلكين واستعجالهم المتصف بالرعونة في كثير من الأحيان، لقد سعت وزارة التجارة منذ زمن طويل على تنشئة المستهلك وهو معتمد على نفسه، وثابرت هذه الوزارة أن لا يكون المستهلك عالة على جهة أو أخرى، حرصا عليه، فكانت التوجيهات الدائمة بأن المستهلك مسؤول عن حماية نفسه ولا بد أن يكون واعيا “ومفتحاً” ويقف على رجليه لا على رجل جمعية او وزارة والعياذ بالله، هذا التعليم والتربية، للحقيقة، والتاريخ، بدأت منذ زمن طويل، ولثقة الوزارة بمستوى ذكاء المستهلك وقدرته على الاستيعاب العقلي الموازي للاستيعاب الهضمي وصلت بعد هذه السنين الطويلة إلى قناعة أن المستهلك شب عن الطوق وبلغ مرحلة النضج، لقد استطاع المستهلك ان يطور حواسه الخمس فأصبح يشم السلع ويتذوقها وأحياناً يضعها بجانب أذنه منصتا لها لأنه مع الخبرة الطويلة اكتشف أن بعض السلع تتكلم! كل هذا الفحص يتم قبل أن يدفع ويشتري ويستهلك، بل إنه استطاع تطوير حاسته السادسة التي أنجبت فأصبح لديه “باقة” من الحواس الجديدة مثل الوسوسة والشك والريبة، و”النشدة” أي كثرة طرح الأسئلة.
ومع تراكم هذه الخبرات ومقاييس ومواصفات وزارة التجارة المعروفة، فقد اطمأنت إلى أن كل مستهلك محلي أصبح على قدر من العلم والثقافة الصحية الغذائية بما يمكن وصفه بالعالم ولأن للعالم مختبراً ولابد للمختبر من حيوانات تجارب، أصرت الوزارة مشكورة على وضع ذلك التحذير حفاظا على حيوانات التجارب الخاصة بالعلماء المستهلكين، لأنها من رأس المال الوطني الذي لا يجوز تعريضه للهدر أو السرطان والعياذ بالرحمن، وأعلم أن هذا الاستنتاج لن يقنع بعض المستهلكين الذين تعودوا على الشكوى حتى أصبحت جزءا من حياتهم، بل إنه أيضا لن يقنع بعض القراء الذين يسببون بحسن النية وعن غير عمد إحباطاً للكاتب خصوصا عندما يعلقون قائلين: الضرب في الميت حرام!، أو لقد أسمعت لو ناديت حيا، وأنا أعتقد بل أجزم أن وزارة التجارة “حية”.. تسعى في مجالها، وقد ابتليت الوزارة بالكثير من “البلاوي” على رأسها المستهلك الذي لم يقدر ما تحملته في سبيل تعليمه أن القانون لا يحمي “المستهلكين”، ومع ذلك هو يلاحقها مثل طفل يلاحق سيارة البلدية وهي تنفث في وجهه المبيدات لاعتقاده أنه ضباب!.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.