«نفوق الطحين»

العمومية التي اتصف بها بيان هيئة الرقابة والتحقيق المنشور في الصحف تثير الأسئلة. البيان قال إن الهيئة رصدت 6821 قضية رشوة وتزوير واستغلال نفوذ خلال العام الهجري الماضي، ثم أفصح جزئياً عن أنه «تم النظر في 848 قضية رشوة، و5629 قضية تزوير، و64 قضية اختلاس، و101 قضية تتعلق بإساءة المعاملة واستغلال النفوذ، و179 قضية تتعلق بتزييف النقود» (انتهى). والواضح أن النسبة العظمى من عمل الهيئة خلال العام الماضي تركز على قضايا التزوير، ولم يوضح البيان صور وأشكال هذا التزوير، وهل هو متركز على تزوير الإقامات والجوازات للعمالة؟
البيان لم يذكر أية مبالغ مالية لهذه القضايا ليعلم الرأي العام مقدار أهميتها، كما انه لم يشر إلى قيام الهيئة بالادعاء ضد أحد أمام ديوان المظالم كما ينص نظامها وصلاحيتها، بل اكتفى بالعموميات، إذ قال: «إن الهيئة لا تكتفي بإبلاغ تلك الجهات بملاحظاتها، بل تتابع ما تم بشأن تلافيها واستدراكها، مع سعيها إلى توثيق التعاون بينها وبين الجهات الحكومية، خصوصاً إدارات المتابعة بتلك الجهات للقيام بعملها» (انتهى). ولم يحدد البيان ماهية المتابعة، خصوصاً إذا كان الأمر سيعاد للجهة التي حدثت فيها القضية. أعود للسؤال السابق: كم قضية تم النظر فيها وتبنتها الهيئة أمام ديوان المظالم؟
إن المنتظر من هيئة الرقابة والتحقيق كبير، وهو بحجم اهتمام ولاة الأمر – حفظهم الله تعالى – بمكافحة الفساد الإداري واستغلال النفوذ وحماية النزاهة والمال العام. والحقيقة أن البيان المقتضب لا يشير إلى استلهام لهذا التوجّه المعلن منذ سنوات.
هذا في العام. أما في الخاص، فقد انشغل الرأي العام السعودي لأشهر طويلة في قضية كبيرة وحساسة، سميت «كارثة نفوق الإبل»، إذ نفقت الآلاف من البعارين، وتضرر أصحابها ضرراً بالغاً، وهم في الغالب من الفقراء. وراجت الإشاعات حول الأسباب. وظهر مسؤولون يبرئون صوامع الغلال ومنتجاتها من النخالة، واتُّهم متعهدون وعمال. وبعد تصريحات عن عينات وإرساليات وفحوصات داخلية وخارجية بقي الوضع عائماً، إلى أن شكلت لجنة برئاسة وزارة الداخلية وعضوية وكلاء الوزارات المعنية وحققت في القضية ورفعت نتائج أعمالها، فصدر أمر كريم بالموافقة على نتائج التحقيق، والذي كشف الآتي:
«أن السبب الذي أدى إلى وجود مركب (السالينومايسين) – وبنسبة عالية – جاء نتيجة خلل إداري وفني أدى إلى اختلاط علف النخالة المخصصة للإبل مع الأعلاف المخصصة للدواجن، وان حدوث ذلك كان في وقت يدار فيه خط إنتاج أعلاف النخالة بالصوامع في محافظة خميس مشيط من خلال عدد من عمال للنظافة، مع غياب الرقابة والإشراف اللازمين لسير العمل على الوجه المطلوب» (انتهى). وأحيل الملف لهيئة الرقابة والتحقيق، فماذا فعلت حتى الآن؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على «نفوق الطحين»

  1. يوسف الغانم كتب:

    مشكور استاذ عبدالعزيز واسمح لي اسميك ” الاخطبوط الاقتصادي” -ما شاء الله- حتى لا تنحت0
    الغريب انه على كثر مقالاتك المفحمة لم نقرأ اي رد من مسئول سواء بالاعتراف بالتقصير او العكس ؛ حبذا لو اشرت الى بعض تجاوب المسئولين ان وُجد – والظاهر ان ما فيه تجاوب – ولك جزيل الشكر

التعليقات مغلقة.