قمة الأمير عبدالله

يمكن القول إن قمة شرم الشيخ احتوت على مستوى كبير من الشفافية، أقول ذلك جاداً لا مازحاً، وأعتقد أن هذه القمة وخصوصاً الموقف الحازم لسمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز من كلام الرئيس الليبي معمر القذافي والرد المباشر عليه، وعلى الهواء، أسس لسابقة في القمم العربية بحيث تتخلص اجتماعات على هذا المستوى من الاستثمار الدعائي والتنظيري ودغدغة عواطف الجماهير بكلمات وشعارات لا تفيد إلا في زيادة التراكمات بين دول اجتمعت لتتفق على قضية مصيرية.
ولو حاول أي مراقب محايد لتاريخ المنطقة البحث، ومعرفة هوية الذي أوجد الفرصة للأجنبي للحضور بهذه القوة والكثافة، وجعله يملي شروطه بالتهديد العسكري سيجد أن الأنظمة الثورية وأحلام التوسع والسلطة التي يقودها جنون العظمة وسوء قراءة الواقع، هو السبب الأول في ما تعاني منه المنطقة، وللرئيس القذافي نصيب لا يحسد عليه في هذا المجال منذ تدخله بالقوة العسكرية في تشاد مروراً بالقرن الأفريقي وجنوب السودان، لم تسلم دولة أفريقية وأوروبية من مغامرات الرئيس الليبي، ومع ذلك استطاع الانكفاء الداخلي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والحظر الذي طُبق على ليبيا بسبب لوكربي، فقد أصبح للعالم قطب واحد، وهو نجح في مالم ينجح فيه صدام حسين.. حتى الآن على الأقل!، لأسباب عديدة، لكنه لم يستطع التخلص من رغباته العارمة في كسر المألوف، ومعاكسة التيار بحثاً عن عدسات الكاميرات وجذب انتباه الجماهير فهذا لديه له أولوية قصوى، وقد جرب الرئيس القذافي كل شيء تقريباً، حيث طرح نفسه مفكراً يحمل مشروع إصلاح العالم في كتابه الأخضر، وأسس جماهيرية “عظمى”، وقاتل دولاً في سبيل الوحدة، ووضع تاريخاً خاصاً بليبيا، ثم أصبح قاصاً وروائياً، وهو يحرص على الحضور في كل مناسبة على طريقته سواء بحراس من النساء أو بتسريب بيانات القمم للإعلام قبل صدورها، وهو تعوّد على أن يقابل القادة العرب مثل هذه التصرفات بالمجاملة والمداراة، نسي القذافي مقولة اتق الحليم إذا غضب،.. هو يحب نقطة الضوء لكنه لم يوفق كثيراً هذه المرة.
وقد يعتقد البعض أن الرئيس القذافي كان يحاول إجراء تحليل تاريخي لم يحرص على استخدام العبارات المناسبة فيه، فخرج عن النص وقام بدور المنظّر والمفكر في الزمان والمكان الخطأ، لكن الموقف لا يحتمل مثل هذه الدروس التاريخية، ففضلاً عن سوء استخدامها لقلب الطاولة، خصوصاً من رجل يتزعم بلداً بعيداً نسبياً عن الحدث بل أقل تأثراً بتداعياته من الآخرين الحاضرين لهذه القمة، من الذين اكتووا ولازالوا بسبب طموحات شبيه له، هذا من جانب، الجانب الآخر أن من يعتقد أن استخدام الرئيس الليبي لاسم خليج الخنازير بريء هو في الحقيقة واهم فالتاريخ يحفظ للرئيس الليبي استخدامه لهذه الصفة سلاحاً في حروبه الإعلامية مع أهل الخليج، ويضاف لهذا الحدث الذي أعطى للقمة زخماً إعلامياً كانت بحاجة له، أن قمة شرم الشيخ هربت من مبادرة الأمير عبدالله للإصلاح الداخلي، كما هربت من المبادرة الإماراتية، وقنعت برفض الضربة مع علم الجميع بعدم القدرة على منعها!.
قمة شرم الشيخ في الحقيقة هي قمة الأمير عبدالله، وأكاد أجزم أن القمم المقبلة ستكون عملية أكثر.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.