«تمصلح»

أصبح «التمصلح» على حساب الخاص والعام سائداً بكل الطرق ودوساً على أي تعارض يقف في الطريق، التعارض في الغالب يكون مع المصلحة العامة، والأمثلة كثيرة، أشير إلى حالة رمزية نموذجية.
يصدر قرار بإقامة منشأة كبيرة تهم قاعدة عريضة ويرصد لها المال الكافي. تتقافز مع الإعلان الآمال العراض. ينتظر الناس أن تثمر نخلة ورّاقة صفّق عند الإعلان عنها كثيرون، عالمين حاجتها إلى وقت وعناية وأمانة، ينتظرون مطمئنين دوران العجلة.
نأتي للتنفيذ. يعين لها أناس للقيام بالمهمة، فيبدأ هؤلاء أو بعضهم «بالتمصلح»، كل واحد وشطارته.
تكون البداية بالمقر، يرى أحد أمناء المشروع أن بناية تعود لصديق مناسبة، هي لحسن الصدف معروضة للإيجار! فتصبح أفضل مقر للمنشأة. يأتي دور التأثيث، يكتشف «الأحدهم» أو آخر مثله أن العرض المقدم وربما الذي تم النصح بتقديمه، هو الأنسب، ولا يلتفت لتجارب فاشلة سابقة، لكنها شركة تعود لفلان، ربما يأتي مع الأثاث كرسي «مساج» منزلي، يهمز الأكتاف وأسفل الظهر، بعض آخر يقبل «بثقالة» ورق لتثقل العرض في موازين فتح المظاريف.
جاء دور التوظيف، عند هذه المرحلة يفضل «جماعة الريشة»، ولهم من اسمهم نصيب، هم مثل الريشة، رأسها في رجلها، يتجهون مع الأقوى نفخاً، غالباً ما يتطايرون في فضاء المكان… حاضرين بقوة مع خفة تبعث على ضحك شبيه بالبكاء، مع أهميتهم لأن الريش يعطي أحد انطباعين، القدرة على الطيران حتى ولو كان لدجاجة، أو مخدة نوم مريحة، يظن بعضهم أن الريش لا يضر، لهؤلاء نذكر أن مع قوة النفخ يصيب الريش العيون بضرر بالغ، من هنا تأتي الأهمية الاستراتيجية للعيون المغمضة، وتلك «المغمصة».
يتكوم الموظفون في المنشأة وينقسمون إلى ثلاث فئات:
الأولى الغالبية الصامتة، من جماعة «خليك جنب الساس»، «الراتب ماشي».
الثانية المتنفذة ينشأ بينها «اتفاق تمصلح» مكتوب في العيون، ومثلما يتبول الذئب على حدود منطقته محدداً نقاط التفتيش، يشم كل واحد حدود الاستحواذ لطرف «اتفاق التمصلح». تحتاج إلى طقم مكتب إذا وظف لي شخص يهمني أمره، الدنيا أخذ وعطاء.
الثالثة أو المنبوذة هي التي تفكر في مصلحة المنشأة. لسذاجتها تعتقد هذه الفئة بأن الجميع يعمل لتلك المصلحة، فتبدأ بالاحتجاج وتقدم الاقتراحات التي تقبل شكلاً مع ابتسامة تتأرجح بحلمات الأذان لترفض مضموناً، ومع كثرة الاعتراض والاقتراح يتم أخيراً اتهام هذه الفئة بكثرة العقد وإعاقة العمل المتوثب، فالمطلوب كما قيل «الشور شورك يا بيه».
أين المنشأة الحلم أو الطموح من هذا كله؟ النخلة التي غرست وينتظر كثيرون ثمارها، تذوي، ويرى الأقل أنانية «عسبانها» وقد تيبست إلا في الإعلانات، في حين نشأت حولها نباتات متسلقة، لا ترى بالعين المجردة، خبيرة بالامتصاص لإرواء جذور متشعبة، وفلاحوها ينشدون في كل محفل «نخلتي يا نخلتي».

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

4 تعليقات على «تمصلح»

  1. مواطن كتب:

    يابو سعود عليك أسلوب رهيب في التشخيص
    السلام عليكم ورحمة الله قبل انسى

    المقال وأنا أقراه جت قدام عيني كذا هيئة ومؤسسة حكومية جديدة حاصل فيها الشيء اللى تقولة بالضبط كني أشوفها قدامي … ولا الخــافي أعظم لكن ..مانقول الا حسبي الله ونعم الوكيل

  2. فيصل الفهيـــــــــد كتب:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أستاذي الفاضل أبو أحمد
    لأنهوا وبكل صراحة وكلت الأمور لغير أهلها .
    وأغلب من وكلت لهم الأمور تتناقص درجة مخافة الله عندهم .
    وتكون مصالحهم فوق كل إعتبار .
    أما مصلحة الغير فتكون في الغالب دون أي مصلحة .
    وأورد لك قصة حقيقية وقعت داخل الإدارة التى أعمل بها .
    وهي عند قيام الإدارة بالإعلان لإستإجر مبنى للإدارة قام مدير الإدارة بمشافهة أحد المقدمين على العرض .
    وقال له بللفم المليان أثث لى الإدارة ( مكتبي ) ونستأجر منك .
    وبلفعل أثث له وإستأجر منه المبنى .
    ولكن لا صوت لنا ولا مجيب وعند الإخبار عن أي سلبية تجاه مدير الإدارة نقابل بما يقصم الظهر ( هذا مدير ) وهو المسأول .
    اللهم أصلح أحوال المسلمين .

  3. هادي كتب:

    الأستاذ عبد العزيز
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أسمح لي أن أختلف معك فقط في ان من يفكر لمصلحة العمل لا يمكن أن يوصف بالسذاجة بقدر إحساسه بالمسئولية ,
    وما أود قوله بإختصار هنا هو إننا بتنا في مجتمع لا يعترف أو بالأحرى لا يستطيع أحد أخذ حقوقه إلا بإتباع السياسات الملتوية فلا النظام في أغلب الأحوال موجود ولا العنتريات سترد الحقوق لأصحابها .

    إن طبيعة النظام وبنيته الهيكليه وبيئة المجتمع لا تساعدان أو تسمحان على التطوير , فالمشكلة في أساس البنيان ولن أزيد …..

    ولك أن تنظر من الذي يعرقل سير العمل ويعيق النظام
    أهي الفئة المنبوذة أم المغلوب على أمرها أم النافذة التي تطربنا بالنظام ولا تلتزم به !!

    وتحياتي لك مع خالص التقدير والإحترام

  4. عبد العزيز كتب:

    الاستاذ عبدالعزيز
    بعد التحية
    يجب كتابة مقالك من ذهب لوصفك الشئ الذي لايوصف
    انت اكيد تتكلم عن البريد
    ياستاذ عبدالعزيز انا احد الموصوفون بمقالك .
    تقبل اعجابي وتحياتي

التعليقات مغلقة.