هل انتهى عصر المجاملات السياسية؟

ابتهجت أيما ابتهاج بتصريح المصدر السعودي رفيع المستوى الذي قال، أن عصر المجاملات انتهى، وأن عهدا جديدا يتعين فيه الالتزام بأدب التخاطب قد بدأ، وازددت بهجة عندما قال “أن القيادة السعودية ستواصل طرحها السياسي الجديد للإنسان العربي الجديد، مؤكدا على التزام المملكة بالمصداقية والتعاون العربي البناء والترفع عن الشعارات البالية”.
التصريح جاء على هامش ما حدث في قمة شرم الشيخ، وللأسف فإنه وعلى الرغم من أهميته الكبيرة، لم يجد ما يستحقه من تحليل في وسائل إعلامنا المحلية.
كانت ولازالت المجاملات السياسية ركيزة أساسية في العمل العربي المشترك، وكثيرا ما صبغت هذه المجاملات العلاقات بين الدول العربية، لكن هذه المجاملات السياسية العربية لا تأتي الا من طرف واحد، الطرف المجامل دائما هو الطرف الخليجي وفي مقدمته المملكة العربية السعودية، في حين كانت الأطراف الأخرى دائما تحصل على هذه المجاملات، حتى حولتها بعض القيادات السياسية العربية، وبحكم التقادم، إلى ما يشبه الحق المشروع لها، وفي هذا السياق تعامل الإعلام العربي المدعي زورا الاستقلالية، مع دول الخليج، والمملكة على رأسها، بالصيغة نفسها، وكثيرا ما كانت المجاملات السياسية تتم مع أنها قد تتعارض مع المصالح الوطنية للدول الخليجية أو لمجموعات وأفراد من مواطنيها، كانت الوفرة المالية والبحث عن الأمن والانشغال بالبناء هاجسا مسيطرا في دول الخليج العربية خلال العقود الماضية، وأغرت هذه الوفورات المالية دولا وأفرا داً ومؤسسات، فكان الخليج مأكولا مذموما، والجدار القصير الذي ينشط كل مغامر ويعلن عن شجاعته من خلال القفز عليه، ودفعت دول الخليج ثمنا باهظا وعلى رأسها المملكة بسبب هذه السياسة التي ترتكز في مضامينها، المثالية، على وعي، يتجاوز الشعارات الى الفعل، بالمسؤولية المشتركة والمصير الواحد بين دول العالم العربي، لكن الفهم القاصر لبعض القيادات العربية والأفراد الطامحين إلى الزعامة أو الثراء تحوّل إلى شكل من أشكال الابتزاز، نراه في المواقف السياسية، والهجمات الإعلامية ضد دول الخليج، ويظهر جليا على السطح في دكاكين الصحف، التي تحولت الآن إلى دكاكين فضائية، يتجول أصحابها بحقائب السمسونايت في كل مهرجان ومنتدى.
المجاملات السياسية لم تكن إعلامية فقط بل كانت في جلها اقتصادية، وكثيرا ما تقدمت استحقاقات هذه المجاملات الاقتصادية على مصالح داخلية لها الأولية…، بل وهنا ما يحز في النفس، قد ينتج من التغاضي عن مواجهتها وتأجيلها خطر كبير ليس من اليسير تداركه، ولا تحجيم ما يتوالد عنه من احتقانات تستخدم، وياللعجب، كأداة للابتزاز مرة أخرى.
رائع أن ينتهي عصر المجاملات السياسية على أرض الواقع، والأروع أن ينتهي عصر المجاملات الاقتصادية، والأجمل الذي يتناسق مع هذا تقديم إنسان عربي جديد قادر على مواجهة المرحلة المقبلة، عن طريق وضع حاجاته على رأس قائمة الأولويات بعيدا عن كل المجاملات.
لنجدد إنسان الداخل أولا، وإذا ما نجحنا، نحاول وقتها طرح ما تحقق على الإنسان العربي، في ذلك الحين سنكون رواداً ونفاخر بأننا من قام بصياغة الإنسان العربي الجديد.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.