لم أكن أعلم أن للحلويات أصواتاً الا بعد إقناع عملي من صديقي “المتين”.. صديقي واقع حتى حلمتي أذنيه في غرام الحلويات الشرقية، وعندما ندخل سويا محلا، حتى ولو كان بقالة صغيرة، أجده يتوقف كمن سمع صوتا يناديه، بل كأن هذا الصوت يناديه “بعيارته” الأولى أيام الحارة الشعبية، لذلك يتوقف فجأة أمام أحد الرفوف، ثم يبتسم ابتسامة كبيرة لطيفة، ويظل لحظات “يتمقل” بشوق “عارم” في وجوه الكنافة والبسبوسة والبقلاوة ويكاد يطبع قبلاته على “زنود” الست، ولكل صنف منها في أذنيه صوت ناعس يعشقه حد لحس الأصابع، وكلما كان العسل أو السكر يطفح على السطح، كان الصوت أقوى و”التمقل” أعمق، وانتظاري يزداد طولا، الى هنا والأمر طبيعي، كثير من “المتان” خفيفي الظل يشتركون في علاقاتهم الوطيدة وتمثيلهم الدبلوماسي المعتمد لدى صحون الحلويات الشرقية، وغرامهم بها مثيل لغرام الفتيات بطعم الشيكولاته لا بلونها..، لكن صديقي “المتين” ينفرد بعشق آخر، فهو مهتم ايضا بصورة عملية بالريجيم، واضاف له مؤخرا اهتماما جديدا بالأعشاب والخضروات، أو ما يسميه ضاحكا “العلف”، وجعله هذا الاهتمام يقتني كل ما تصدره المطابع، من كتب الريجيم المعتمد على التغذية الطبيعية السليمة، هذه الكتب ليست للوجاهة، ولا الادعاء الفارغ، بل للقراءة والاستفادة، من هنا لم أعد أستغرب تصفحه لها أو حديثه عن بعضها على كل سفرة “مندي” معتبر، ولأنه مثقف يؤمن بالمزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، وأن لا ضرورة لأن ينفي أحدهما الآخر، فقد أبقى على إعزازه الكبير للمفاطيح، فيحرص كل الحرص، اذا ما “تواجها” معا على عدم كسر خواطرها، فيتحاور معها و”يتجاذب” أطراف الحديث، ويرى أن ذلك من الوفاء فهو يعتبرها من “التراث” الذي لا يجوز التفريط به، هذا التناقض الظاهري لم يسبب أي قلق لصديقي، وعندما تفتح معه باب النقاش، يجيبك بهدوء قائلا انه يتبع ريجيما جديدا اطلق عليه اسم “ريجيم روقنا” ولأنه “رايق” بالفعل فليس لديه ظاهريا على الأقل معاناة “البدناء” مع الريجيم وعدم قدرتهم على الالتزام، واذا جادله شخص على سبيل النصيحة طالبه بأن يعطي الحر فرصة. حالة “الروقان” تشربت في نفسه لأنه يعطي كل ذي حق حقه، الريجيم من جهة له وقته، والأكل من الجهة الأخرى له وقته، واليوم بساعاته يتسع بل ويزيد!وألطف ما خرج به هو التمارين الرياضية، فقد اكتشف صديقي أنه يمكن أن تمارس التمارين الرياضية بالنظر والمشاهدة التلفزيونية، ويكفي النية هنا “لتتحقق” لك الفائدة الصحية جسديا ونفسيا من دون إجهاد يذكر.
هذا التوازن النفسي الغذائي لم يخفف بالطبع من وزن صديقنا، لكنه ساهم ايجابيا في قطع دابر الشكاوى، فهو ليس شكاء ولا متبرم، لا من الوزن ولا من تعدد أصناف الحلويات، بل انه مصدر للبهجة وهذا ما يغيظ صديقاً ثالثاً أصلع، يحرص على رواية كل الأخبار الصحية المزعجة عن الكولسترول ومشاكل السمنة الخ، لكن صاحبنا الرائق يرد عليه دائما وبهدوء قائلا “خلك في الشعر”!!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط