«مردقوش»

«خذي مئة غرام من الهندباء البري، ومئة غرام من عشبة البطة السوداء، واسحقيهما واشربي». هذه عينة من الوصفات الفضائية الطبية الجاهزة، وعشبة البطة السوداء من عندي حتى لا يبحث عنها احد فهي لا تنبت إلا في الرؤوس.
ينتظر كثير من المشاهدين… النساء خصوصاً، معالجين او اطباء أو مسوقين لاستقبال اتصالاتهم مباشرة بلهفة وعلى امل، والمريض مثل الغريق يتعلق بعشبة، ولدى البعض في اللاوعي امل بتوافر عشبة او اعشاب سحرية تقضي على كل الامراض.
يصاب المرء بدهشة وذهول من بعض الذين يظهرون كمعالجين على شاشات التلفزيون، وكيف يصفون ببساطة وتساهل المقادير، «احضري ورقة وقلماً»، وكأنهم يتحدثون إلى جمعٍ، من الصيادلة المتخصصين. لست أشكك في علم أحد، لكنه، أي العلم، يستدعي الدقة والحرص والاناة، لا سيما ان المرجع في النهاية سيكون بائعاً في عطارة ربما قدم من بلاده للتو، لا يفرق بين الهندباء والمرتديلا.
وقبل شهر لفتت نظري احدى الاخوات إلى ورقة توزع في محل للعطارة مذيلة باسم «خبير وصف نفسه بالدكتور»، وهو شخص مغمور، حتى لا يفهمني البعض خطأ، قادني الفضول الصحافي للاتصال سائلاً عن حقيقة الشهادة، أجابني بائع الاعشاب بضحكة فيها ما فيها، مؤكداً أن خبيرهم دكتور وهذا رقمه، لكنه لم يجب على السؤال… دكتور في ماذا بالتحديد؟
استعنت بعد الله تعالى بأحد المختصين المبادرين، وبعد الاخذ والرد اكتشف أن مدعي «الدكترة» والعلاج وبحسب خانة العمل في الاقامة ليس سوى «عامل أحواش»؟
والعمل في الاحواش مهنة شريفة لكن لا علاقة لها بعلاج حتى البهائم.
حصل بعض هؤلاء على هالة اعلامية وصدقية تنقل ما يقولون على انه حقيقة علمية، وعندما ينقل البعض كلاماً سمعوه بآذانهم يصبح جزءاً من كرامتهم. يتحول إلى احد مواقع الدفاع الطبيعية. وميزة المعالجين الفضائيين أن لا حالة معالجة منهم تعود إليهم امام المشاهدين. لا يعرف حقيقة ماذا حدث لتلك التي شربت الوصفة او لصقت اللبخة او غطّست رجليها في طشت الخردل لأربعين ليلة، وإذا كان هناك من خطأ فهو سيلتوي حول رقبة المتضرر لأنه لم يحسن الإنصات.
يقول البعض ان الاعشاب لا ضرر منها، لأنها من الطبيعة وهذا غير دقيق، ولم اجد عند أولئك مثل «المردقوش او البردقوش» وهو عشبة، توصف لكل شكوى، ليس تشكيكاً في قيمتها لأن لا علم لدي، لكنه ذكرني بتلك الحبوب التي يصرفها الطبيب للمريض من دون أن ينظر في وجهه.