بحثاً عن فارس مغوار

فارس منتظر يقبع في المخيلة العربية، يأتي من “فصيلة” نادرة، تتحمل كتفاه العريضتان مسؤولية عودة أمجاد الأمة، هو في واقع الحلم يتحمل المسؤولية عن الجميع، هذه الأرض الذهنية المحروثة أوجدت مناخا ملائما للمقامرين، المتعطشين للسلطة، لم يكن الأمر يحتاج سوى للقوة والإعلام، لذلك كان للإذاعة ومن ثم التلفزيون دور خطير في الحياة السياسية العربية يضارع دور الماء لحياة البشر، هي توليفة لا يمكن تجاوز حاجتها لبعض الشعارات ذات الذبذبات الجماهيرية، يمكن أن تكون قومية أو دينية أو جماهيرية، أو حتى ديموقراطية، وبشيء من مسحات تجميلية تتغاضى الجماهير العربية عن كل الشبهات التي تثار حول كل مقامر يقدم نفسه بثياب فارس يعيد للأمة ماء الوجه الذي جف ونشفت عروقه منذ زمن موغل في القدم.
هذا الحلم التاريخي وضعته الذهنية العربية واقعاً صدقته، تتغير الشخصيات ويبقى الحلم ولكل سقطة مقامر أعذار لا تنتهي، بل تتحول لأمنيات وتطلعات مع ميلاد مقامر جديد، بوضع مثل هذا لا يستغرب وجود أناس معجبين بأمثال صدام حسين، خصوصا من أولئك الذين لم تمس سياطه أجسادهم، مثل هؤلاء يكتفون بالصور عن بعد، ويتكفل خيالهم بالباقي، بل هم قد ينتظرون الآن على أحر من الجمر عودته المظفرة!؟، وقد تحاك الأساطير حول السرداب الذي اختفى في غياهبه.
في المجتمعات المتحضرة لم يعد هناك فارس واحد، هناك مجموعة من الفرسان لكل دور محدد وزمن محدد، ولا يستطيع أحد منهم إقناع البقية انه الحكيم الوحيد، ليس بينهم معصوم، هذا هناك في المجتمعات المتقدمة والتي لم يستطع العرب اللحاق بها، لكن في وسط العرب لا يخجل صدام حسين أن يكون له مائة اسم، الاسم رقم المائة هو “سيد الحكمة”، هانحن نرى الحكمة بعينها أمامنا في حرائق بغداد.
ولم نستطع أن نستفيد من أبناء عمومتنا، اليهود، فهم بعد تيههم الشهير، أحكموا اللعبة ولم يجعلوها في يد فارس أو مقامر، يتداولون السلطة ويحاسبون بعضهم البعض، لديهم هدف واضح وواحد، لهذا تصمد دويلة صغيرة وسط بحر من الرفض، بل وتصبح الأقوى وتتمكن من تطويع القوى الكبرى لمصالحها، تحولها إلى فرسان بالوكالة عنها، وتبقى سليمة، أما العرب فهم لازالوا ينتظرون الفارس الهمام، فيقعون ضحية لكل ماكر يجيد التمثيل، ممثل يصدّق نفسه فيبقى طوال العمر على خشبة المسرح، وتستمر الجماهير في التصفيق.
صدام “لفارس” مثلا، كان يحرص على امتطاء حصان أبيض في الاحتفالات، في حين يكون رفاق الحزب يمشون راجلين وراءه، وهو كان يعرف أثر ذلك في نفسه أولا وفي الجماهير المحتشدة، سيبقى صدام حسين ماثلاً في الأذهان العربية لتاريخ طويل، فقط لأنه كذب وأصر على الكذب في حين غاب رجل ذهبي صادق مثل سوار الذهب عن الأذهان، لأنه حالة استثنائية..حالة مزعجة لأمثال صدام.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.