الفجوة

بعد الإعلان عن كشف أخطر مجموعة تخريبية إرهابية في الرياض بساعات، تبث إحدى إذاعاتنا الرسمية برنامجاً دينياً “مسجلاً” تتم الإجابة فيه على أسئلة من نوع: هل يجوز لي تقبيل زوجة جدي؟!
كان هذا أحد الأسئلة التي سمعتها، وأنا ابحث في إذاعاتنا، ببرامجها المختلفة، عن مادة حول الحدث الجلل.
إعادة بث البرامج المسجلة أمر مريح رقابياً ووظيفياً، وليس مستغرباً، لكن الإغراق فيه مهما اختلفت الظروف والأحداث فيه خطورة غير مباشرة، وهو يشير إلى عدم وجود خطة إعلامية واضحة، ويخبرنا أيضاً أن كل جهة تعمل لوحدها.. إلى حين.
البرامج الدينية الوعظية تركزعلى المعاملات اليومية الحياتية، أمور تتناول عقيدة الفرد، يمكن أن أقول أن معظمها لا يركز سوى على هذا الأمر وهو مهم، لكن تأتي ظروف تتراجع أهميته لبروز ماهو أهم، مثل مواجهة الفكر المتطرف، الذي يبرر حمل السلاح وقتل الآمنين باسم الدين والعقيدة، المواجهة في إعلامنا المسموع والمشاهد تأتي رسمية وموسمية، أو محاضرة يتيمة هنا أو هناك، لكنك لا ترى نسقاً فكرياً حوارياً يواجه فكر التطرف.. وبين المحاولات المحدودة جداً للهيئات الرسمية، هناك تيار جارف وهجومي تحت السطح، قمة جبله الكبير تبرز في مواقع الإنترنت، وحتى بعض نجوم الإعلام الديني والذين فتحت لهم قنوات إعلامية واسعة، لايتطرقون إلى هذا الأمر بالصورة التي توازي خطورته، يلهون في أمور أخرى، نريد في مواجهة الفكر المتطرف الدموي، نفس الحماس الذي تابعناه في التصدي الإعلامي للعدوان على العراق، ألا يستحق هذا الكيان وهذا الأمن والاستقرار دفاعاً مثل هذا؟!
الفجوة الكبيرة مسؤولية الإعلام أولاً ومسؤولية وزارة الشؤون الإسلامية ثانياً، فلا يلاحظ المرء تناولاً لهذا الفكر المتطرف وخطورته في خطب المساجد، هناك صمت عجيب وباعث على الدهشة، تصور أثر مثل هذا الصمت وهذه السلبية على شاب يعيش حالة صراع داخلي ويخضع لإغراءات التجنيد تحت مظلة هذا الفكر الخطير.
كثرة وجود شباب صغار من بلادنا، ممن يستخدمون وقوداً وحطباً لمن وراء هذا الفكر دليل على الفجوة التي أتحدث عنها، افتحوا أبواب الحوار، ولتناقش هذه الأفكار بشفافية ووضوح، ولتكن هناك برامج مفتوحة الاتصال.
المواجهة الزمنية الضرورية، لا تكفي لوحدها، أعتقد أنها بحاجة ماسة لأمرين.. الأول التصدي الفكري الحواري لهذه الأفكار المتطرفة، الثاني وهو في غاية الأهمية يتعلق بتجفيف منابع ومداخل هذا الفكر، التي يغزو من خلالها عقول الشباب، لعل أهمها التعجيل بعلاج مشاكلهم وسد الباب على من يستثمر الإحباط والتذمر وعدم وضوح الرؤية.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.