لا يزال حلم الحصول على الجنسية الأمريكية هاجساً لدى الكثير، هذا الحلم لم يقتصر على أبناء منطقة الشرق الأوسط بل يتعداها لمختلف دول العالم الثالث، وبلادنا ليست استثناء من ذلك، كانت هناك طفرة بهذا الاتجاه، ساعد الابتعاث عليها في فترة زخمه، وإلى وقت قريب كان بعض الرجال يرسلون زوجاتهم “الحوامل” أو يذهبون بهن إلى هناك ليضعن حملهن، فلعل الابن “يشفع” بالجواز للوالدين!، والهدف الانتماء للقوة العظمى الوحيدة… حاليا، أرض الفرص وتحقيق أحلام المهاجرين، وإذا أردنا أن نكون متوازنين يمكن تفهم تلك الرغبة بل ومشروعيتها كخيار شخصي، إذا ما وضعنا أمام أعيننا الأسباب والدوافع إضافة إلى المزايا المتوقعة.
وكنت أعلم أن للجنسية الأمريكية مزايا كبيرة في عالم اليوم، لعل أقلها أن الذي يتمكن منها ويعود إلى بلده، يحصل على وظيفة بمرتب يزيد أضعافاً مضاعفة عن ما كان يجنيه قبلها!، إضافة إلى الحصانة الخاصة التي تسبغ على الأمريكيين خصوصا في بلدان العالم الثالث، لأن سفاراتهم وبحكم الدستور مسؤولة عنهم فعلا لا قولا، ولها مهابة وقدرات معروفة.
هذه قناعة عامة لدى الغالبية، ومن قناعتي المضافة إلى تلك ، اعتقادي أن هذه الجنسية مرتبطة بالعرق الأبيض، العرق هو الأصل ومن ثم الجنسية، بعيداً عن قناع المساواة المستخدم إعلاميا، وجاءت الأحداث لتؤكد قناعتي تلك مرحلياً، فبعد الانشقاق الذي حصل بين المتحالفين على حرب الشيوعية في أفغانستان ، حدث تبدل جزئي في النظرة إلى الأمريكيين من أصول شرق أوسطية..عربية، وبعد أحداث 11سبتمبر، تغير الأمر جذريا، وصار هناك تمييز داخل أمريكا حسب العرق والمعتقد، وأصبح على رأس قائمة الاشتباه المسلمون والعرب حتى ولو كانوا مواطنين أمريكيين.
لكني اكتشفت خطأ تصوري ذاك، ارتباط الجنسية بالعرق الأبيض، بل أصبحت أعتقد أن الجنسية الأمريكية لا تختلف عن أي جنسية من جنسيات دول العالم الثالث ، ولم تعد الأولى عالميا، حتى ولو كان من يحملها من العرق الأبيض، ويمكن لنا أن نقول بصوت عال لا عزاء للأمريكان،بل إن مصيبتهم أعظم لأنهم مثل “لابس الخلاخل والبلا من داخل”، ولدي الدليل الدامغ خذ مثلا طازجاً لم يستفد من تلك الجنسية والعرق الأبيض، سندي كوري الشابة الأمريكية البيضاء، داعية السلام ورفع الظلم، قتلتها الجرافات الإسرائيلية أمام عدسات المصورين، ولم يحرك ذلك ساكناً لدى البيت الأبيض، لا تحقيق ولا مطالبات ولا إدانة، لكن هذا البيت الأبيض، يهب ويستنكر ويرسل الوزراء عندما يقتل إسرائيلي واحد.
أمثال سندي كوري الذين يدفعون حياتهم ثمناً لرفع الظلم عن الآخرين، هم نماذج حقيقة من الشعب الأمريكي، الأصيل والطيب، الذي أراه مخطوفاً وليس له حصانة في الواقع، ويحتاج لمن يكسر قيوده، لأن أوضاعه لا تختلف كثيرا عن بقية جنسيات العالم الثالث، إذاً ما هي الجنسية المتسيدة عالميا، حصانة وأهمية ، سيقال الجنسية الإسرائيلية، والجواب نعم ولا، لا لكونها لا تكفي وحدها والدليل أن كثيرا من الفلسطينيين يحملونها ولا يحصلون على أبسط حقوقهم، ونعم لأنها جنسية مهمة بشرط أن يكون حاملها يهودياً، في هذه الحالة ستهب إدارة أكبر وأقوى بلد في العالم للدفاع عنها.
مساكين الأمريكان أصبحوا يحملون جنسية من جنسيات العالم الثالث، أما بلادهم فهي مثل النخلة العوجاء، ليس لهم من ثمارها إلا الحشف.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط