الأفكار تبدأ صغيرة

كان صديقي يحدثني عن تجربة قرية إنكليزية، اشتكت من تزايد البطالة، فقررت «الادارة المختصة» وهي من مسؤولين ومتطوعين، ألا تستورد القرية بعض الأغذية. هكذا بدأت حملة للاكتفاء الذاتي من البيض والدجاج والحليب والفواكه، بحثوا عن الميزات النسبية وعظّموها لتنتج داخل القرية مع تحفيز لشرائها، المنع لا يصدر بقرار بل بالإقناع، والنتيجة نجاح في تقليص عدد العاطلين من العمل، وارتفاع دخل العائلات المنتجة. وفي أحد الأفلام الوثائقية أيضاً تجربة أوروبية أخرى، جاءت من طاهٍ، لاحظ الرجل أوضاع الدجاج اللاحم وأسلوب تربيته «المحزن»، إذ لا يتوافر للدجاجة حيز مناسب للتحرك بحرية والأكل… والتنزه! ازدحام خانق في مزارع الدجاج التي ستذهب لحومها للبطون، إضافة إلى تأثير في جودة اللحوم، ففيه مساس بحقوق الدجاج المسلوبة، ويظهر لي أن الشعور بالضيق والاختناق الذي يعيشه الدجاج اللاحم في المزارع ينتقل بصورة أو بأخرى إلى متناولي لحومه!
نعود إلى الطباخ، ابتكر الرجل فكرة جديدة – قديمة، لإنتاج لحوم من «الدجاج المربى بحرية»، أحضر عدداً منه للتربية وأطلقه في مساحة كبيرة نسبياً وبدأ يعمل للإقناع بهذه الفكرة، وجمع عدداً من المتطوعين المؤمنين بالفكرة. واجه في البداية صعوبات جمّة، لذلك اجتهد في توزيع المطويات التي توضح مميزات التجربة حفاظاً على حقوق الدجاج في العيش حراً لا في سجن، وهذا من الرفق بالحيوان الذي نسيناه، وزاد على ذلك بذبح الدجاج بأسلوب آخر يراه أكثر إنسانية، بالصعق طبعاً! ثم قصد إحدى «السوبر ماركات» الكبيرة التي رفضت إدارتها مقابلته أول مرة، وبعد تضافر الجهود وإصرار، تغير الواقع، وأصبحت مبيعاته من «الدجاج المربى بحرية» تصل لنصف مبيعات الدجاج في «السوبر ماركت» نفسها. في النهاية التاجر سيلحق برغبات المستهلكين، هذا إذا كانت لديهم رغبات… هنا أتحدث عن المستهلكين لدينا.
في النماذج السابقة نلاحظ أن تحقيق الأرباح والحلم بالثراء السريع، لم يكونا المحفز الأساس لخوض التجربة، بل هو إيمان بفكرة أو تعامل مع حاجة، ولا أشك لحظة أن في بلادنا الكثير ممن لديهم أفكار صغيرة يمكن أن تكبر لتحقق فائدة. أيضاً لا أتوقع أن تستطيع قرية سعودية تحقيق الاكتفاء الذاتي من مواد غذائية – مثلاً – لفقر في الموارد الطبيعية، لكن المعنى في تبني الأفكار الممتازة مهما بدت صغيرة أو غريبة لكونها تتعارض مع السائد، وكلما كانت هذه الأفكار محلية الصنع غير مستنسخة، كانت فرص النجاح فيها أفضل. وفي حاضنة للابتكارات في جامعة الملك سعود في الرياض، شاهدت شيئاً من ذلك في طور النمو، وهو ما أبهجني، التقيت للمرة الأولى صديقنا «محمد يانج» وهو يعمل على ابتكاره الخاص بالكهرباء، بعد لف ودوران طويل، أيضاً شاهدت شاباً يعمل على فكرة مبتكرة لإنتاج خيمة بأسلوب جديد أسهل وأسرع، وهي نماذج من أفكار أكثر… انشرح لها صدري.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

4 تعليقات على الأفكار تبدأ صغيرة

  1. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذي الحبيب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
    وتأكيدا لما تفضلتم به استاذي انا جربت شراء الخرفان التي تربى في مزارع فسيحة ويتم اطعامها بعناية وفيه اهتمام بتربيتها وتشرب مياه نظيفة وتأخذ حقها كاملا في النوم شكلها الخارجي افضل ولحمها اطيب
    ولاادري استاذي لماذا لانقيس ذلك على الانسان اي انسان وانا اقول ايش بهم الناس اليومين هذه اشكالهم
    ضاربين بوز ثلاثة امتار ويكلمك البعيد من طرف خشمه الان فهمت استاذي جزاك الله خير بس الله يستر اذا ضبطت الامور ماننذبح اذا صارت اشكالنا تلمع الله يصلح الحال شكرا استاذنا الحبيب.

  2. احمد الحسين كتب:

    مبدع يا عبدالعزيز

  3. سليمان الذويخ كتب:

    اهلا بأبي احمد

    تصدق في مخيلتي منذ أكثر من 7 او 8 سنوات مشروع حكومي ( يعني تنفذه الحكومة )
    مشابه للمشاريع التي طرحتها ، اللهم الا انها لا تتعلق بالدجاج بل بالبشر

    مشروع اتمنى تنفيذه لأنه سيخفض نسبة البطالة ، ويحفظ امورا اخرى
    مشروع اتمنى ان اجد من يتبناه قبل ان يصيبني الخرف وأنسى الفكره *_-

  4. ابو بدر كتب:

    تحية طيبة وشهر مبارك اسأل الل الكريم ان يبلغنا اياه واياكم .. ويحفظنا جميعا ..

    الحل يا استاذي الفاضل وانت أبخص يحتاج الى قرارات حاسمة وهي:
    1ـ رفع رسوم الاقامات.
    2ـ تكون نسبة السعودة على الشركات المساهمة بنسبة 55%.
    3ـ تكون نسبة السعودة بالشركات والمؤسسات الخاصة بنسبة 40%.
    4ـ عند خروج الوافد الاجنبي بتأشيرة خروج نهائي عدم السماح له للعودة للعمل بالمملكة الا بعد مضي خمس سنوات.
    5ـ تمنع نقل الكفالة.
    6ـ الشركة التي لا تتقيد بالسعودة تدفع مبلغ ثلاثة الاف ريال عن كل نقص في العدد أي اذا كانت الشركة لديها 200 موظف فيجب عليها سعودة مثلا 100 وظيفة فاذا قصرت الشركة بالسعودة لعدد 30 وظيفة فانها تدفع تسعين الف ريال شهريا وتوضع الغرامة في صندوق الموارد البشرية.

التعليقات مغلقة.