من تتهم؟

من الجمل الشهيرة التي تذيل بها التصريحات الصحفية الأمنية، ان الجريمة في مجتمعنا لم تصل إلى ان تكون جريمة منظمة، هذه العبارة مفخخة، يمكن لك افتراض ان هناك انتظاراً لأن تكون الجريمة منظمة!؟، بالطبع القصد من العبارة التخفيف والتهوين من اي واقعة جنائية في وقتها، وان الامور لازالت مطمئنة، “وحنا أحسن من غيرنا”!.
ليس لدي تعريف للجريمة المنظمة إلا انها اتفاق مجموعة من الافراد، ارجو ان لا نختلف على عددهم!، على القيام بجريمة ما تخطيطا وتنفيذا، هنا يوجد تنظيم وجريمة، لا أرى حاجة لفتح فروع لهم. كما لا أرى حاجة لشبكة أو تعريف اكاديمي.
حسنا..، ماذا يعني قيام مجرمين بالسطو على بنك في وضح النهار، أو سحب آلة صراف عن طريق ربطها بصدام سيارة!، ماذا يعني استمرار ارتفاع جرائم سرقات السيارات، التي قالت دراسة نشرتها جريدة “الرياض” ان 50% منها بسبب اهمال السائقين، ماذا عن الخمسين في المائة الباقية واسبابها؟، هل تذكرون ذلك الشاب الذي اعترف على صفحات هذه الصحيفة بعدد قياسي من السيارات المسروقة بواسطة سارق واحد، عدد يدخله كتاب الارقام القياسية، نحن للاسف نحاول دائما التخفيف من حجم القضايا، لا اطالب بالتهويل، بل بمصداقية المواجهة، المواطن والمقيم شريكان في الأمن في الحقوق والواجبات ولابد ان يعلما، وان لا تقدم لهما المعلومات مغلفة بمثل تلك العبارات المغموسة بحبيبات التهوين، إن ضررها اكبر من نفعها، بل اشك ان كان فيها شيء من النفع، جرائم القتل والاعتداء والاختطاف الخ.. تضاعفت، وسرقة السيارات ليست بسبب لهو الشباب والتفحيط فقط، لماذا لا يكون هناك من يسرق ليفككها ويبيعها قطع غيار.
ان وضع المسؤولية دائما وابداً على المواطن، في سرقة السيارات، وهي هنا مثال صارخ ومتعارف عليه، فيه تغييب لنصف الحقيقة أو أكثر، وفيه تواكل وإلقاء المسؤولية عليه، انه مثيل لإلقاء المسؤولية على المرض النفسي واختلال العواطف في الاغلب من الجرائم الأخرى.
مثلا، منذ زمن ونحن نشكو من عدم اهتمام الشرط بسرقة السيارات، وذاك الاهمال في نقل ملكيتها، اتذكر انني بعت سيارة قبل سنوات وجلست اشهراً، انا البائع، اطارد المشتري لاتمكن من نقلها إلى ملكيته!، أو إفراغها كما نقول!.
يكفي ان تعرف أحدا ما، من “جماعة وش وراك حتى أخدمك”، لتتسهل الأمور ويصبح النظام ارجوحة تغفو عليها، سرقة السيارات كانت مقدمة لسرقات أكبر وهذا ما حصل ويحصل الآن ومقدمة لما صار أخطر…
استخدامها في التفجير والقتل والخطف، وسرقة براميل الغاز كانت قبلها والإطارات الاحتياطية لبعض السيارات في زمن اسبق، كل هذا لم يعالج في وقته فاتسع الشق على الراقع، وكلنا لا نريد ان يزداد الشق اتساعا، بل نريد رتقه بسرعة، لذلك ولهذه الغاية النبيلة، من الضروري ان نعترف بتغير كبير في الاحوال الامنية، وان جهازها بحاجة لفحص ثم علاج وتطوير وتحسين، حتى نتمكن من المواجهة، ومن المهم ان تخرج التحقيقات في الجرائم من الحصر في السؤال الاثير والشهير: من تتهم؟، أو تتهم أحد؟، وإذا لم يكن لديك احد تتهمه وتشك فيه فقد تطول القضية أو تحفظ، حصر البحث والتحري في مثل هذه الاسئلة كزنه بحث عن واسطة!.
رنها كرة ثلج تتدحرج، لابد من ايقافها بسرعة قبل ان تصبح منظمة ومتشعبة سرطانية لا يمكن علاجها، ويجب علاج التهاون في متابعة الجرائم الصغيرة، وتراجع الانضباط، وسجن من لازالوا هواة في عالم الاجرام مع المحترفين، ان عدم الاعتراف بهذا التغير الامني أخطر من وجوده لانه مقدمة لاستفحاله، وعندما نركز ونسلط الكشاف على مثل هذا التغير والتقصير لا نقصد بالتأكيد كل الجهاز الامني، ان هذا من نافلة القول، لنتذكر ان سوسة صغيرة جدا في فك اسنان سليم، تحرم صاحبه من النوم، ولنعلم ان الجريمة تحدث في كل مكان، لهذا لابد ان نعترف بحقيقة الاحوال الامنية ونواجهها بسرعة، والمواجهة لا تتم بالردع والعقاب فقط بل يتضافر معها البحث عن الاسباب والجذور وعلاجها.
ثم ان هذا المواطن المسكين الذي اذا لم يكن له علاقات شخصية نافذة ضاع في “الطوشة”، الذي لا يتمكن من الحصول على صورة محضر واقعة هو طرف فيها!!، الا بشق الانفس، وبالواسطة رغم ان هذا من ابسط حقوقه، هذا المواطن يكفيه ما فيه، فلا تلقوا على عاتقه مسؤولية كل تقصير هو أول ضحاياه، ولا تحملوه مسؤولية التحقيقات بالسؤال الأثير: من تتهم؟.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.