الفشل السياسي المستدير

تؤكد أحداث وتداعيات مواجهات كرة القدم بين جماهير مصر والجزائر على الفشل السياسي أولاً والإعلامي تالياً. السياسي يلتصق بالجماهير ليصبح واحداً منها عندما تحتشد حول أضواء كرة القدم ولا يعرفها ويبتعد عنها بل تصبح «كخه» حينما تطالب بحاجاتها الأساسية، هذا الاستثمار الموقت للحضور الجماهيري يستلزم فك زمام الإعلام ليفتح ثقوباً سوداء في مناسبة رياضية مصيرها النهائي معلوم مسبقاً… ستجده في نهائيات جنوب أفريقيا. وإذا كان من الطبيعي أن تحدث مشادات ومشاحنات بين جماهير كرة القدم مع حماسة واختناق حان وقت فلتان عقاله، فمن غير الطبيعي ان تلحق بها أجهزة سياسية أو إعلامية حتى ولو كانت خاصة، إلا أن الإعلام الرياضي العربي، يتمتع ويستمتع بانفلات عجيب ومثير للسخرية، وهو تابع طائع مستفيد ومستثمر، يمارس الشحن ويستخدم الوطنية فهي سلعة رخيصة، لكن الإعلام السياسي أو الاقتصادي وحتى الاجتماعي والحقوقي لا يعيش مثل هذا التمدد، فهو يصطدم سريعاً بالخطوط الحمراء.
من المُلام على ما حدث وأَسَّس لأفعال نتج منها ضحايا من الجانبين وأمطار سوداء من كراهية ستمكث في الأرض إلى ما شاء الله؟ أليس هو من جعل تشجيع كرة القدم المتنفس الوحيد أو المنفس الأوحد لحشود جماهير مخنوقة بالبطالة والجوع. وصل الأمر إلى استدعاء سفراء وقوات بخاصة لحماية الجماهير من بعضهم البعض.
أما بعض المنتسبين للإعلام الرياضي «العربي» فهم مستمتعون بالقيام بدور «المحرض» ومع تحول الرياضة وكرة القدم تحديداً إلى مصدر دخل وشهرة واستثمار للاتحادات والفضائيات أصبح التعري لحشد العواطف السلبية وشحنها مخجلاً، هذه هي التعبئة الوحيدة المتاحة، توظيف عواطف الجماهير لا يختلف عن فضائح توظيف الأموال، هنا يتم طرح عواطف الجماهير في اكتتابات بأثمان تصل إلى الحياة نفسها، ويصبح لكرامة الجماهير روح ويتم الاعتراف بها موقتاً.
هذا الفشل الذي عايشناه في التعامل مع أحداث كان يمكن حصرها في حيز ضيق بلجم الشرارات الأولى التي أشعلتها منذ بدايتها يؤكد مرة جديدة أن مشكلة العالم العربي هي مشكلة سياسية في المقام الأول، وهي إذا ترسخت – كما هي الحال – ينتج منها مشكلات اقتصادية واجتماعية تخنق الناس وتحولهم الى مكائن غير واعية من السهل استخدامها فلا يجدون لهم متنفساً، وقد سدت كل النوافذ والشقوق سوى كرة قدم أفرغت من جمالها وبقي الهواء الفاسد. تفوز وتخسر منتخبات كرة القدم لكن منتخبات السياسة تفشل دائماً، ومع ذلك تستمر في اعتلاء المنصات.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

4 تعليقات على الفشل السياسي المستدير

  1. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذي الحبيب ابو احمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    رب ضارة نافعة مثل مايقولوا استاذي .. واعتقد ان ماحدث يجب الاهتمام به بشدة
    من قبل الساسة الكبار لانه يدل على احد الامرين اما الوضع العربي العربي
    ممثلا في ماحدث بين جمهورين لبلدين واما الامر الثاني حالة التأزم والحنق
    على الوضع العربي ككل وفي كلتا الحالتين هما جرس انذار واجري واجرك
    على الله استاذي وشكرا ,,,,,

  2. نجيب سحمان كتب:

    حين طلب كسرى رأى وزيره في قوة العرب بأطراف دولته , أجابه الوزير : حكمةٌ عرفناها منذ الصغر لا يبيد العرب إلا العرب ,اضربهم بالمناذرة . لاقى المد الشيعي تتأييدا ملحوظا من منتصف التسعينات في بلاد المغرب العربي وبلغ أوجه في الجزائر , ومر بفترات هي أزهى من حكم الفاطمين , فمن المستفيد من المواجهات والضحايا بين مصر والجزائر ؟

  3. مهره كتب:

    مساء الخير أستاذ عبدالعزيز , مساء الخير قراء الأستاذ عبدالعزيز
    الوضع العربي ” كره ” ومعلقة بخيط وإذا انقطع الخيط ” سقطت الكرة وتأذت …أقل الأذى أن يحدث فيها إنبعاج وأكثر الضرر أن يحدث فيها ثقب ويطلع منها الهواء ” حتما الهواء الذي سيخرج من الكرة سيكون هواء حارا ..ببساطة ساخن !! وهذا ما حدث بين مصر والجزائر ” إنبعاج في العلاقات ولغة حارة , حادة ..مخيفة
    في طفولتي ” كنت أعتقد أن الكرة الأرضيه معلقة بخيط والخيط بيد الله تعالى وكان عندي قناعة أن الخيط سينقطع وتسقط الكرة الأرضية وتقوم القيامة ….!! فلسفتي في الكرة الأرضية وأنا طفلة تشبة فلسفتي لكرة السياسة بين البلدين وأنا كبيرة وربي يصلح النفوس ونرجع ” صافي يالبن …حليب يا قشطه ”
    أرجو للجميع مساء عبارة عن سكر ذائب ” شــــــكـــــــرا أســــتــــاذ عبدالعزيز

  4. أبو جلنار كتب:

    للاسف كنا نحلم بحل مشكلة فلسطين والآن نحلم بحل مشكلة مشجعين كوره !؟ ..

    وتحول الامر الى خلاف سياسي اقتصادي وبين اكبر الدول العربية !؟ ..

    والله عيب .. يا عرب ..

    تعلمو من امه ” الفنس ” الكوريتين ..

التعليقات مغلقة.