الذي دفع هذا السؤال إلى السطح هو اعتذار نائب رئيس شبكة السي إن إن عن تصريحات رئيسه، فقد حاول رئيس الشبكة المساواة بين الضحية والجلاد عندما علق على العمليات الاستشهادية والقمع اليهودي للشعب الفلسطيني، محاولة الاقتراب من دائرة العدل تلك أغضبت إسرائيل فقامت قيامتها، وصل نائب رئيس المحطة للدولة العبرية واعتذر ملتزماً بعدم بث أشرطة العمليات الاستشهادية وفوق هذا إنتاج حلقات عن أوضاع أسر القتلى الإسرائيليين لتبث في المحطة العالمية، لكن هذا لم يكن كافياً لإرضاء إسرائيل التي تلوح بإجراءات ضد المحطة بل وشرعت في ذلك، هذا الموقف دفع نائب رئيس المحطة إلى القول أنه يعلم أن إسرائيل دولة ديموقراطية لكن اتخاذ إجراءات ضد المحطة لا تقول به إلاّ الدول الدكتاتورية. فهل هي دولة ديموقراطية بالفعل؟ الجواب في الواقع هو نعم ولا؟، داخل إسرائيل وبين شعبها من اليهود هي دولة ديموقراطية تقوم أطراف الحكم فيها بممارسة اللعبة السياسية حسب الأصول الديموقراطية، لكنها في تعاملها مع الفلسطينيين وحقوقهم فهي دولة فاشية قامت أصلاً على جثثهم.
لكن إسرائيل استطاعت أن تغلب تلك الصورة الديموقراطية لكيانها كعادتها في تطويع الإعلام الغربي لمصالحها، ولم يشفع لهذا الإعلام الأمريكي منه على وجه الخصوص، أنه تعامل عند ذروة الاعتداءات الإسرائيلية والبطش اليهودي بحق الفلسطينيين بصمت وغلب وجهة النظر الصهيونية، إسرائيل تريد تركيع الشبكة الإخبارية وتجعلها عبرة لمن يعتبر، واحتمالات نجاحها في ذلك كبيرة، لكن من جانبنا فإن عدم بث أشرطة الاستشهاديين هو أفضل من بثها، تلك الأشرطة أعدت لعائلة الشهيد وللتأكيد على شخصية الفاعل وعلى انتمائه السياسي لتلك المنظمة وهذا هو في الحقيقة الغرض الرئيس من تسجيلها، وهي فيما يظهر جزء من الصراع السياسي الداخلي بين المنظمات الفلسطينية لكسب أكبر قاعدة من الشعبية، هذه الأشرطة وبياناتها رغم ما تحتوي تسيء للإسلام وصورته عند الرأي العام الغربي إذا ما أخذنا بالاعتبار تلك الصورة المشوهة عمداً للإسلام والمسلمين والحرب العالمية الثالثة القائمة ضدهم حالياً وتصنيفهم عموداً فقرياً لمحور الشر، إذاً العمليات الاستشهادية يجب أن تستمر فهي ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تعلن عن الالتزام بدولة مؤقتة، وهي التي أوصلت شارون إلى حافة الجنون السياسي، بل إنها المواجهة الميدانية الوحيدة الممكنة التي يمتلكها الفلسطينيون مقابل آلة البطش اليهودية.
ما العمل لمواجهة التزام شبكة السي إن إن تجاه إسرائيل الذي لا يعني سوى زيادة في التعتيم على الحقائق وتجميل للصورة الإسرائيلية وإظهارها بدور الضحية، أحد الأخوة اقترح المقاطعة الإعلانية للشبكة وخصوصاً مقاطعة الفنادق التي تعلن عنها الشبكة ومع احترامي لوجهة نظره إلاّ أنني أرى جدواها لوحدها ضعيفة، فالمشكلة أن أحد عناصر قوة إسرائيل صوتها القوي والوحيد في حين أن كثرة العرب حولت أصواتهم إلى لغط، جزء كبير منه صراع فيما بينهم، عناصر القوة المفترضة للعرب تحولت إلى نقاط ضعف يتم التسلل من ثقوبها الكثيرة، لكن مع تلك المقاطعة المقترحة لماذا لا نضيف إليها إجراء آخر وهو أن نتبع الخطوات الإسرائيلية!؟
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط