«منشفة» الدول المتقدمة

لا نعرف الدول المتقدمة إلا في حالات «محصورة»، يجري توظيفها واستغلالها لمن شاء، الأولى عند توقيع العقود وتدشين مجسمات المشاريع، فتذكر أخبار العلاقات العامة أنها على أحدث المواصفات التي توصلت إليها الدول المتقدمة.
الحالة الثانية والأخيرة لاستخدام منشفة الدول المتقدمة، عند وقوع الكوارث، فهي تحدث أيضاً أو حدثت في الدول المتقدمة. تلاحظ أن «منشفة» الدول المتقدمة تستخدم – لدينا – للماضي والمستقبل، أما الحاضر فهو ناشب في التقهقر، لكن الدول المتقدمة تمتاز بأمور أخرى جعلتها متقدمة يعيشها حاضرها كل لحظة، ولا يجري ذكرها من مسؤولينا إطلاقاً عند استخدامها كمنشفة. الدول المتقدمة لديها محاسبة معلنة ولا يستحي المسؤولون فيها من الاستقالة وتحمل المسؤولية، وتعلن لجان التحقيق فيها نتائج أعمالها بشفافية، وتصدر قوانين عامة لمواجهة أخطاء حصلت فيها.
الحقيقة المرّة مرارة العلقم إننا لا نصحح أخطاءنا في وقتها وهي ما زالت شراراً مستصغراً، بل نغضّ الطرف عنها، فهي أمور عادية لا ينبغي تضخيمها تُترك لتتراكم. يبدأ تغميض العيون من الجهة المقصّرة، بـ «تحميرها»، نعم العيون تشتعل احمراراً، عملاً بمبدأ أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، وأول خطوة على هذا الطريق تبدأ بها الجهة المقصرة نفسها بالتجميل والمسكرة، ونفخ الشفاه، وتركيب الرموش الصناعية. نعم، حتى بعض الجهات الحكومية تنفخ الشفاه، وتستخدم الكولاجين والسيلكون، لنصبح في الحقيقة أمام دمية ليس لها روح، ولا يظهر منها دليل على الحياة سوى ابتسامة بلاستيكية.
تجيش الجيوش الإعلامية للترويج لمشاريع جهات عامة، بخاصة بملاحق إعلانية وعلاقاتية تطمس الشقوق، لتصبح الشرارة شعلة. إذا لم نبادر، بسرعة، الى إصلاح الأخطاء أولاً بأول لتصبح كل جهة حكومية رقيبة على الأخرى… رقابة معلنة فيها وضوح إبراء الذمة وتحديد المسؤولية، ليس «لأسكت عني وأسكت عنك» قدسية فيها، وإذا لم تنتهِ – إلى غير رجعة – حفلة المجاملات الإعلامية بينها، فمن المتوقع أن نراوح مكاننا، ونستمر في استخدام «منشفة» الدول المتقدمة تجملاً وتبريراً. لدينا من الأخطاء القائمة الآن ما الله به عليم، تتم تغطيتها باستغلال الإعلام وشركات العلاقات العامة وبعض حملة الأقلام، وعندما تنفجر الفقاعات يكون البعض قد رحل.
***
في العادة تبقى وزارة المالية السعودية صامتة… مهما كان هول الحدث. هذه المرة «جابت العيد» بتصريحها عن عدم تعويض أصحاب السيارات المتضررة. الحديث في هذا يطول، لكنه يشير، في ما يشير، إلى اللغة «الجامدة» التي تتعاطى بها وزارة المالية مع الأحداث وأحوال الناس. القرار الملكي بالتعويض حسم هذا، ويبقى على وزارة المالية أن تخبرنا عن دور أنظمة العطاءات والعقود والبنود، وتقادم عهدها وعدم مواكبتها للتطور وسماحها للمقاول أن يتأخر ويتأخر ويدفع الغرامة التي وضع ما يغطيها أصلاً على قيمة العقد. نريد من المالية أن تكشف لنا دور هذا في ما حدث في جدة، وما يمكن أن يحدث في مدن أخرى.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

4 تعليقات على «منشفة» الدول المتقدمة

  1. mmmm كتب:

    وزير المالية ……(شين وغواية عين)

  2. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذنا الغالي ابو احمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    (محاسبة معلنة) والله هي المحك استاذي وعلى فكرة ترى من بدري تم الاعلان ان التحقيقات سرية ..!!!
    اتذكر مدير مرور وسط لندن قبل سنتين وماادري هذه العالم رغم انهم يأكلوا لحم الخنزير الا انهم يستحوا
    اتذكر انه وقف في موقع ممنوع ومنحه العسكري مخالفة الاخ خلص موضوعه وتوجه الى مكتبه قدم استقالة
    من ثلاثة اسطر ( اسف اشعر بأنني غير جدير بتحمل مسؤلئية ادارة المرور بسبب وقوعي في الخطاء الذي يفترض انني احمي الغير منه ولم اطبق النظام الذي اؤكل الي مهمة مراقبته ) وفوقها اكل تهزئ في الجرائد
    وفي نشرات الاخبار الى ان اضطر الادمي مغادرة البلد وسكن في مدينة تبعد عن لندن ثلاثمائة كيلو ..
    والله انني اسأل استاذي من هو مستوى فكركم الكبير متى نصبح مثل هذه العالم ؟؟؟
    وشكر الله لك .

  3. صالح بن محمد كتب:

    أستاذي العزيز
    الاعلام له صفة الرقيب وله سلطة يمكن أن تفضح المفسدين والمرتشين ..ولكن..حجم الاعلانات وتشابك المصالح مع بعض المسئولين عن الاعلام..يكون سببا رئيسيا في غض الطرف أو إغماض العينين وإقفال الفم والأذنين..والمبرر المحافظة على المصالح ..وعود من عرض حزمه ولايمكن أن تصلح البشر وكل الناس تفعل ذلك..فكم من مستصحف ..أصبح مليونير وأصبح يجد سرير لأي مريض من أهله وتنجز جميع معاملته في جميع القطاعات ..لكف أذاه أو شراء ذمته!! وهذا من سياسة العلاقات العامة عند البعض.
    وفبعضهم وصلت به الوقاحة للتهديد بشرشحة أي موظف حتى ولوكان صغير وبقطاع خاص ..إذا لم تقدم له الخدمة حتى ولو بتجاوز الأنظمة..فهو بنفسه المريضة يرى بأنه شخص مهم وصاحب قرار..
    حسب وجهة نظرى أن الفساد إذا أتحد مع الاعلام حصلت كوارث البلد مثل ماحدث بجده!!
    أتمنى ممن لديه معلومة عن الفساد بأن يمتلك جرأة الدكتور عشقي الأستاذ بكلية علوم البئية والذي تحدث بشفافية تامة وذكر أن أغطية غرف المجاري وضعت على الأسفلت بدون أي خوف ..ويبدوا بأن ذلم ماشع حرامية الحديد على سرقة أغطية غرف التفتيش !!!
    أسأل الله أن يوفق اللجنة التي تم تشكيلها بأمر ولي أمرنا حفظه الله بالوصول للحقيقةالكاملة وفضح كل الفاسدين والمرتشين الذين كانوا السبب الرئيسي بماحصل.
    تحياتي وتقديري لك ولجميع القراء …

  4. ابو سلطان كتب:

    اذا ما رغبنا في تحديد المسئولية في هذه الفضيحة فينبغى عدم اغفال أنظمة التعاقد مع الشركات والمعتمدة من وزارة التجارة ووزارة المالية والبلديات ، التي ينبغي تعديلها لضمان عدم تكرار مثل ما نرى من تنفيذ مشاريع ضخمة وحيوية للوطن ، والعقود تحال من مقاول لآخر حتى تصل للمثاول المنفذ الذي يستميت لانهاء المشروع باقل التكاليف ولو اضطر البعض لاساليب ملتوية لتنفيذ للك. هنا اقصد نظام الترسية للعقود ، و تصنيف المقاولين ، التاهيل والتضامن بين الشركات العاملية في حقول المقاولات المختلفة.

التعليقات مغلقة.