ألو.. أنا البرادعي!

أصبح استقبال مثل هذا الاتصال أمراً مرعباً…مثلما صور لنا ذلك مسلسل مصري قبل سنوات، لكن البرادعي هذه المرة شخصية حقيقية ويريد تفتيش كل شبر إلا دويلة العدو الصهيوني.
لم تكن أسلحة الدمار الشامل العربية إلا سلاحا في يد الحكومات ضد الشعوب، في غير هذا الاتجاه كانت أسلحة الدمار “الخامل”، لذلك لا يأسى أحد على قرار ليبيا الثوري، كانت المفاعلات النووية عند العرب “مو.. فاعلة” بامتياز،استخدمت مثل النياشين لتجميل الأنظمة، واستغلت لامتصاص خيرات البلدان، فكان تجار الأسلحة هم الفائزين، والشعوب هي الخاسرة.
جملة أسئلة يدفع إليها قرار ليبيا الثوري الجديد، فهل هو قفزة غير محسوبة في الهواء؟.
الرد البارد من الولايات المتحدة الأمريكية جعل الإجابة صعبة على هذا السؤال، احتفظت إدارة بوش بالعديد من الأوراق على الطاولة والحبال حول العنق،والمؤكد أن الدافع لقفزة الجماهيرية العظمى هو حالة من القلق والتوجس والاتعاظ، وهي خطوة استباقية لمواصلة البقاء، ومثلما شاهدنا رأي العين سقوط حزب البعث فكرا وأسلوب حكم، نشاهد الآن مشهدا جديدا من سقوط فكر الأنظمة الثورية، إذا كان لديها فكر، لكن الثورة تبقى ليس مهماً في أي اتجاه فالمهم هي الثورة، لذلك كان القرار الذي تلي على “لسان” وزير الخارجية الليبي ثوريا بكل معنى الكلمة، أستطيع أن أعتبر هذا القرار أول توابع زلزال صدام، بدأت هذه التوابع في السر قبل تسعة أشهر، وفي نفس الاتجاه الثوري تأتي مغازلة بارد القلب الأمريكي قفزاً باتجاه دعوة “محور الشر”! ووضعه تحت المجهر للتخلي عن أسلحته، كأنما هو القول بأن الأسلحة هناك..نحن لم يعد لدينا شيء، وكأن مبدأ المزايدة “الثورية” هو الأصل.
والجماهيرية العظمى تعيش حالة ثورية مستمرة، وبعد ثورة تعويضات تكاد تصبح معها أكبر “معوض” في التاريخ الحديث، تأتي ثورة التوقيعات، هاتوا كل ما لديكم يا سادة سنوقع اليوم وليس غدا، نحن من يتصل بالبرادعي، لم يعد هناك عدو إمبريالي، بل أصدقاء يطلب منهم علنا الحماية.
فشل الزعماء العرب في قراءة آثار سقوط الاتحاد السوفياتي على العالم،أخفقوا في تصور خريطة العالم والسياسة بعده، لكن يظهر أن الزعيم الليبي قرأ جيدا آثار سقوط صدام قبل تسعة أشهر، تمعن فيها ليلة سقوط التمثال، فبدأت المفاوضات، ويرى أحد الساسة العرب أن هذا القرار من “الواقعية السياسية”، لم يحدد هل هي فهم للواقع أم تحسب للوقوع، ولابد أن الشعوب العربية تضحك بألم على زعمائها بعدما بكت دماً كثيراً منهم، فلم يكن أحد يطلب من دول صغرى أن تقارع دولا عظمى، ولم يكن أحد يريد زيادة عرض أكتافه حشوا بالخرق وقطع الإسفنج، كانوا يريدون فقط العيش الكريم..كرامة البشر.
ولأن المنطق الثوري هو المبدأ الذي لا محيد عنه، فمن المتوقع أن تزداد وتيرة المزايدات السياسية الاستباقية الثورية، والمشكلة أن الأمريكي يحمل عصا في كلتا اليدين ومن دون جزر أو بصل، وشاهدنا صدام حسين قبل الحرب على العراق يقدم التنازل تلو الآخر، دخل المفتشون حتى القصور الرئاسية، وقبل هذا قدم صدام نفسه اعتذارا علنيا ولو كان ناقصا، ولم يجد ذلك كله، تأخر صدام في تلبس الدور الجديد، استنفد مهلة عقد من الزمان، لم يستثمره كما يجب في فقه سياسة الواقع، استمرأ دور البطل القوي ولم يستطع إجادة دور غيره، فكان أن غضب المنتج المخرج على تمرد البطل فتم إسقاطه، في السياسة كثير من فن التمثيل وسرعة لبس الأقنعة، الأمر الجديد أنه أصبح على الهواء مباشرة، ويا تلحق وياما تلحق. ولو وضعت إدارة بوش دوائر حمراء على مسميات الدول على اعتبار أنها الدولة العظمى الوحيدة تقريبا، وأن هذا الاسم لا يليق إلا بها لتغير في لحظة اسم الجماهيرية العظمى إلى الصغرى إنه فن الواقعية السياسية.
السؤال الساخن يقول ما هو الثمن لمثل هذه القفزة الذي ستبدأ في دفعه العديد من الدول العربية، في ظل تحول الصراع للعلن تأكيدا على الانقياد والطاعة ولو قفزاً.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.