صحافة الشائعات

هناك فارق جوهري بين الصحفي وناقل الإشاعة، العمل الصحفي يحكم أبناء المهنة بضوابط ويوفر لهم ادوات يستطيعون من خلالها دحض الشائعات، اما بتأكيدها لتخرج إلى دائرة الحقائق او نفيها لتتبخر وتعود من حيث أتت، وفي كلا الحالتين لابد من أن يقوم الصحفي بجهد تفرضه عليه امانة وواجب المهنة، وخلال الأيام الماضية تداول الناس شائعات، اعرض منها نموذجين لتوضيح ما أقصده، وقبل ذلك أشير إلى ان كل حواس الصحفي مسخرة للمهنة، فهو يبحث عن الحقيقة ليقدمها للقراء، فإذا اكتفى بالسماع والنقل لشائعة فإنه ليس سوى ناقل لها بكل الآثار التي تحملها، أما إذا حبرها ونشرها على شكل خبر في الصحيفة هنا يرتكب خطأ جسيماً في حق الصحيفة والقراء والمجتمع حتى ولو أشار الى انها شائعة، والسبب ان قراء الصحف فئات عدة، اعرضها فئة تعتبر كل ما ينشر في الصحف حقائق كاملة، ولا تكتفي بهذا بل تتبناه وعندما تلقيه في اسماع الأخرين يصبح رأياً لها تدافع عنه وتؤكده وتشك فيما سواه، وكثير من القراء يطالعون الصحف بسرعة لينقلوا ما قالت، وأقول هذا من واقع تجربة ، وجزء مهم منهم يلتقطون من الأخبار التي تنشرها الصحف ما يرغبون أو يتوافق مع طموحاتهم او ينبش همومهم بمعنى ما يدخل ضمن إطارهم الفكري، ثم يقومون بحذف الباقي أو التخفيف منه، وتصبح الشائعة المنشورة في الصحيفة حقيقة لديهم، ويتم تداول الخبر مشافهة بأن الجريدة الفلانية نشرته، ونسبة الخبر إلى الجريدة أمر كاف لدى الغالبية لتأكيد المصداقية فلا يبادرون معه إلى بحث أو تقصي.
أولى الشائعات هي ما تناقله الناس من خلال رسائل الهاتف الجوال عن وجود طاقم طبي متجول يحقن الأطفال بحقن ملوثة، وقامت أكثر من صحيفة بالعمل المطلوب وهو الاتصال بالجهة المعنية، وزارة الصحة، التي نفت الأمر جملة وتفصيلاً وطالبت الجمهور بالتأكد من نظامية من يقدم نفسه على انه طبيب او ممرض بطلب بطاقته، ورغم أن بعض الصحف قامت بواجبها في هذه الحالة.
رغم ذلك فقد قرأت خبراً في الاقتصادية يقول أن الشرطة في حائل تحقق مع ثلاثة شباب اتهمهم مواطن بمحاولة تطعيم ابنه الصغير، ولم تعثر الشرطة مع اولئك الشباب إلى ما يشير لحقيقة التهمة.
هذا نموذج لشائعة تعاملت معها الصحافة بمهنية عالية ورغم ذلك فإن رواسب الشائعة لازالت باقية لأن لها إثارة في النفوس وتحذيراً من خطر محتمل، وهو أكبر تأثيراً ورسوخاً بعكس النفي الذي لايحقق أو يقدم “سالفة” مثيرة.
أما النموذج الثاني لتدني المهنية في التعامل مع شائعة فهو ما نشرته إحدى الصحف تحت عنوان “إشاعة خفض تسعيرة الديزل تصعد بأسعار قطاع الزراعة وأنابء المنح ترفع سعر سهم سافكو”.
وثبت بعد أيام من نفس الصحيفة أن الشائعة كانت شائعة !!، وكذلك ما وصف بأنه “أنباء” عن سافكو أيضاً كان شائعة، لكن بعدما ورط مثل هذا الذي نسميه تجاوزاً خبراً صحفياً، كثيراً من المتعاملين بالأسهم، وطارت الطيور بأرزاقها، وتعلق أناس بخبر الشائعة، وكان الأولى أن يتم الاتصال بوزارة الزراعة في موضوع الديزل وإدارة سافكو في مسألة المنح من عدمه ونشر الخبر كاملاً أو عدم نشره ما دام أنه لا يستند إلا على شائعة، خاصة في سوق حساس مثل سوق الأسهم يتأثر بأية حقنة سواء كانت ملوثة أو سليمة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.