كنت في ذهابي وإيابي هذه الأيام أبحث معكم عن سيارة الصالون المتفجرة..، و كلما شاهدت شبيهة لها دققت النظر إليها، ثم أصبحت أشعر بالحرج الذي يعيشه كل من يقود سيارة من هذا النوع ومن المـوديل نفسه، تطور الأمر بعدما قرأت خبراً في جريدة الوطن وأصبحت أبحث أيضا عن عجول رومانية مفقودة ومصابة بمرض نادر، حدثتني نفسي أن البحث عن عجول رومانية في بلادنا أمر أسهل بكثير من البحث عن سيارة صالون خطرة، ونحن نعلم غرامنا بسيارات الصالون وكثرتها، إن البحث في هذه الحالة أمر صعب، أما العجول فهي مهما كانت عجول.. والعجول ليست من الكثرة لدينا، ثم أنها رومانية، من المؤكد أنها غريبة الشكل، ولا أشك أن منظر عجل روماني بين بعارين صورة لافتة للنظر.
الفارق كبير جداً بين الصالون المتفجر المتحرك في الرياض والذي نبحث عنه مع وزارة الداخلية، وبين ستمائة عجل روماني مريض أدخلها أحد التجار عن طريق الدمام تبحث عنها..وعنه وزارة الزراعة وعن طريق الشرطة، وهو يختلف أيضاً عن بحث مصلحة الجمارك عن تاجر أدخل كميات كبيرة من اللحوم الفاسدة في جدة، وتصرف بها ولم يعد يرد على خطابات أو اتصالات الجمارك، لابد أنها خطابات سلحفاتية أو مراسلات “رسمية” كما جاء في الخبر، ولو أن فرداً أدخل سلعة للجمارك عليها ملاحظات لحجزت لديها!، لكنه تاجر وللتجار أو بعضهم أحكام..خاصة!.
ونلاحظ من البحث الثلاثي هذا أن مصلحة الجمارك تبحث عن التاجر وليس عن اللحوم ربما لأنها غير مختصة باللحوم وربما أنها من واقع الخبرة تعلم أن البحث عن لحوم من هذا النوع لم يعد ممكناً إلا في الأمعاء وهذه طريقها طويل ومتعرج ومتشعب .
ولا شك أن بحث الأمن عن الصالون المتفجر هو البحث عن السقف الذي وصل إليه الإرهاب البشع فهو يقتل ويفجر ويشيع عدم الاستقرار متلفعا بادعاء ديني، ونحن نعلم أن من قاموا بتجهيزه للتفجير والتدمير سيلقون جزاءهم، في مقابل الإرهاب البشع هناك إرهاب جشع تبرز صورته المخزية فيما فعله و يفعله تجار الفساد، إنه هو صورة من صور الإرهاب الصحي والاقتصادي وسعي حثيث لاستغلال ثغرات في الأنظمة أو تسهيلات استطاع التجار الحصول عليها من خلال غرف التجارة والجهات الحكومية الأخرى.
ولأنهم يشكلون خطراً كبيراً على الاقتصاد وصحة الفرد والمجتمع و يخلخلون ثقة الجمهور بالجهات الحكومية المشيدة لخدمته وحمايته كما يقال دائما، بل إنهم يستغلون ظروفا أمنية مثلما استغلوا ظروف الطفرة، فلماذا لا تفعل هذه الجهات مثلما تفعل وزارة الداخلية في الإصرار على البحث وتقديمهم للمحاكمة العلنية والتشهير بهم ونشر صورهم في الصحف والتلفزيون، وشطب سجلاتهم التجارية، لماذا لا تعلن تلك الجهات أسماءهم لنبحث معها عنهم!؟.
أريد أن أعلم من الذي أفتى بحصانة التجار الفاسدين والمروجين للسلع من التشهير والعقاب، من الذي يحميهم وأين مصادر قوتهم ؟، ثم لماذا لا يعلم الناس في زمن الشفافية كما يكرر الإعلام من هو التاجر الفاسد المفسد الذي سوّق الأمراض والأوبئة على الناس، والتاجر الأمين.
أليس في هذا الوضع ظلم للأمانة والنظافة والنزاهة وطهارة اليد، أليس في الصمت المطبق و”المووطبق” منذ زمن طويل على مثل هذه الجرائم تشجيع على تكرار فعلها، هل سنتحول إلى معدة كبيرة تهضم ما تلفظه الأسواق الأخرى؟.
ألا تكفي تجربتنا المريرة مع حمى الوادي المتصدع؟، أم أنه يجب تجربة كل وباء على حده، وكل نوع من الغش على حده، وإلى متى ونحن نتعذر بأن الأنظمة الجامعة المانعة تحت الدراسة؟ أقول هذا وأشير إلى خبر نشرته نفس الصحيفة عن ثبوت إصابة مواطن بالمنطقة الشرقية بمرض جنون البقر، ولم يشر الخبر إلى نوع البقر….هل هو روماني أم أمريكاني، ويظهر أن عدم تحديد الجنسية يحتاج إلى دراسة وطرح في مناقصة!
الصمت المستمر تجاه الفساد بالفعل وليس بالقول يراكم بسرعة البرق المشاكل، ويهتك المصداقية والثقة في السياسات والأجهزة الحكومية، ومعه وبه نغوص أكثر عمقاً في المستنقع الذي تورط الآخرون،
…آخرون..من!؟، لقد أصبحنا جزءاً منهم.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط