لو كنتُ من المسؤولين في الادارة الامريكية لحاولت الحفاظ على ماء وجه الذين روجوا لاحتلال العراق، وبرروا القتل والتدمير الذي قامت وتقوم به آلة التدمير الأمريكية، أولئك الذين اجتهدوا لتسويق ما زعم انه الديمقراطية القادمة وحقوق الانسان، وقاتلوا من خلال الصحف والفضائيات ضد كل من حاول فضح هذه الاكاذيب السياسية التي يطلقها كل مستعمر قبل انقضاضه على الفريسة.
لكن الادارة الامريكية لم تفعل، فهي مستمرة في مخططها واستخدمت هؤلاء ربما لمرة واحدة، وقد يتم تجنيدهم لاحقاً لترويج شعارات جديدة.
ولو كنت من اولئك المروجين سواء الراسخون في الترويج لسياسة الهيمنة الامريكية او المتشعلقون بأطراف ملابسها، لو كنت منهم لا قدر الله، لتلثمت و”تلطمت” فإذا لم يتوفر لدي شماغ او غترة فسوف أستعين بالبرقع، حفاظاً على ماتبقى من ماء الوجه اذا بقي منه قطرة.
إن الصورة الحالية تبين بوضوح جلي ما كنا معشر اصحاب الآراء المعارضة لضرب احتلال العراق نصرخ به ونكتب عنه، لقد ثبت لمن ساوره الشك ان الامر كله خدعة وتسويغات هدفها الهيمنة وتغيير خريطة المنطقة والسطو على ثرواتها، واذا كان هناك من كلمات حق في تلك الشعارات فقد اريد بها باطل قاتم هاهو بوجهه القبيح امامنا، وهذا هو المندوب السامي للمستعمر في العراق المهيب الركن بريمر يعلن انه لن يصادق على دستور للعراق يجعل الاسلام المصدر الاساسي للتشريع، رغم ان المطالبين به هم اعضاء المجلس الانتقالي المعين من المستعمر.
هكذا تكون الديمقراطية وإلا فلا، الديمقراطية الامريكية داخل امريكا تختلف عنها خارجها، ان للتصدير مواصفات ومقاييس خاصة تتناسب مع المناخ الصحراوي والسمات العربية، اما حقوق الانسان فان في واقع الشعب العراقي اصدق مثال على الصادرات الامريكية، القتل بالمئات للعراقيين، والامن في الدرك الاسفل والحماية من المساءلة الدولية مستقبلاً لقيادات وجنود المحتل معلنة وليست سراً، واخبار الترويع لعائلات واطفال العراق اصبحت من كثرتها اخباراً عادية.
نهدي ذلك كله لمن روج بقلمه ولسانه للسياسات الامريكية عربياً كان او امريكياً فرض علينا.
لقد تم استبدال صدام حسين بآخر ، فقط لا غير، دكتاتور محلي سقط وآخر اجنبي صعد، ذاك يمثل نفسه، والآخر يمثل مؤسسة سياسية استعمارية.
كان لصدام كوبونات نفطية للمريدين والمروجين والداعمين له ولنظامه، كما تقول الاخبار المعلنة، لابد ان في ذلك كثيراً من الصحة بعيداً عن الأسماء لان المنتصر الآن والطامح لانتهاز الظرف سوف يستغل هذه القوائم لمصلحته.
لكن ماذا عن الكوبونات الامريكية؟ متى يأتي الوقت الذي تعلن فيه اسماء من حصل على هذه الكوبونات؟، أتصور انها كوبونات مرتفعة الثمن لان تلك الاصوات كانت الاعلى والاطول لساناً.
لقد ثبت ان اسلحة الدمار الشامل ذريعة كاذبة، والاتهامات طالت اجهزة الاستخبارات والاخيرة تقول ان الضغوط مورست عليها، وبوش تراجع وشكل لجنة للتحقيق وبلير ليس في حال افضل منه، لكن الفأس وقعت في الرأس والعراق محتل ومحطم والخريطة تتغير وإسرائيل تصعد عدوانها المستمر وحدودها المتحركة، والدول العربية ترتعد وتنشغل في الداخل، والتنازلات أكثر من ان تحصى، والعمالة للأجنبي أصبحت تعلن على الفضائيات، ويمكن اعتبارها من ضمن فسح المجال للرأي الآخر!.
الخائبون ممن روجوا للحرب على العراق واستعماره، وبعد هذه النتائج امامهم مخرج واحد من اثنين، فاذا كانت مواقفهم تلك ناتجة عن ايمان عميق بالديموقراطية وحقوق الانسان فيمكن لهم ان ينضموا للسياسيين في الولايات المتحدة الذين يقولون الآن انهم خدعوا، ولايكفي هذا بل يجب عليهم ان يعتذروا، من غير العدل ان يسأل الساسة في امريكا وبريطانيا ولايسأل هؤلاء، فإذا لم يعتذروا علانية، فان في هذا اعلاناً منهم انهم مارسوا دوراً تسويقياً لاحتلال العراق وتحذيرياً للقراء والمشاهدين، دوراً يدمغ جباههم ما عاشوا وسيحفظ التاريخ تلك الدمغة، ورغم انهم يشيدون دائماً بالنموذج الغربي، الذي احترمه داخل حدود بلاده، رغم ذلك اعتقد انهم لن يعتذروا لهذا وحتى لايخرج الخائبون من احتلال العراق سوى ببعض الكوبونات، ونيابة عن القراء أمنحهم وسام العار.. من الطبقة السحيقة.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط