بين نارٍ وغار

«في أي بنك يصرف هذا الاعتذار»؟ كان القارئ يعلّق على خبر للـ «بي بي سي»، يعتذر فيه الجيش الأميركي عن صور لجنوده مع قتلى أفغان، 17 صورة نشرتها مجلة «رولينج ستونز» ولديها 150 صورة أخرى لم تنشر، المتحدث باسم الجيش الأميركي قال: «إن الصور مزعجة» وقدم اعتذاراً «عن أي جرح للمشاعر تسببت فيه الصور»، الصور لا… القتل! ولا شك في الانزعاج خاصة للساسة الأميركان.
قبل أيام حكم بالسجن على جندي أميركي لاعترافه بقتل أفغان مدنيين على سبيل «المتعة»، وهناك أربعة جنود آخرين ينتظرون المحاكمة. صور تظهر الجنود مبتسمين مع الجثث فضحت الجريمة. ومع القصف والغارات على ليبيا تأتي تصريحات وزراء التحالف قائلة بأن لا دليل على قتل مدنيين ليبيين! كل التصريحات تستهدف استبعاد ذلك، فالعملية جراحية ودقيقة كما كان يقال في أفغانستان والعراق ونهر الدماء يجري، وإعلام القذافي لن يصدقه أحد، فمن سيصدقه وقد عاش قرابة نصف قرن على الكذب، عشرات السنين من نشيد «الله وليبيا ومعمر وبس». عدم توفر صور يعني عدم وجود دليل، حتى ولو كانت حوادث الأفغان المدنيين مع القصف العشوائي متكررة، ليتكرر الأسف والاعتذار مع استمرار القصف.
والاعتذار لن يصرف في أي بنك أو مجلس أمن، لن يصرف حتى في المحكمة الجنائية الدولية، هناك حصانة لجيش الله المختار، للاعتذار صلاحية لحظية، إنها لحظة الحرج أمام الإعلام الغربي نفسه، لا أمام الشعوب التي قتل بعض أفرادها العزل على سبيل المتعة وتسجيل الذكريات «الجميلة»، والذين يهللون الآن لتدخل الغرب في ليبيا يصدرون أحكامهم بعيداً عن قصف الصواريخ والطائرات المقاتلة… إنهم بعيدون إلى حدّ الجلوس بهدوء واطمئنان والترحيب بالتدخل.
حسناً هل كان هناك من خيار آخر؟ لا بد من الاعتراف أن رؤساء عرباً وأنظمتهم وضعوا شعوبهم بين نار وغار، إذ مكّنوا بسوء سياساتهم الداخلية للأجنبي من الحضور بقوة متلبساً شخصية المنقذ، والثمن سيدفع لاحقاً… وسيجري إخفاء كل ما يمكن إخفاؤه إذا لم تتوفر «فرقة عسكرية مارقة» حسب بيان المتحدث باسم الجيش الأميركي، بل حتى لو ظهرت صور كما حدث في العراق وأفغانستان ستجد من يبررها حتى من بيننا، ستظهر قيادات جديدة يعميها طمع السلطة واستحقاقات من عاون أو يسّر الوصول إليها لتخفي ما يمكن إخفاؤه أو تحشره في بيان اعتذار قصير ينسي حال دفن الجثث، المسؤولية تقع على من لم يحصنوا أنفسهم بشعوبهم، احتراماً وحفظ حقوق.
هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على بين نارٍ وغار

  1. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذنا الحبيب ابو احمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
    لا بد من الاعتراف أن رؤساء عرباً وأنظمتهم وضعوا شعوبهم بين نار وغار، إذ مكّنوا بسوء سياساتهم الداخلية للأجنبي من الحضور بقوة متلبساً شخصية المنقذ، والثمن سيدفع لاحقاً !!! الله اكبر ..
    تظل قلما نقيا ناصعا حروف قلمك تصنع خارطة طريق لمجتمعاتنا .. بارك الله فيك وفي كل حرف خاصة في هذه
    الجمل :
    لا بد من الاعتراف أن رؤساء عرباً وأنظمتهم وضعوا شعوبهم بين نار وغار، إذ مكّنوا بسوء سياساتهم الداخلية للأجنبي من الحضور بقوة متلبساً شخصية المنقذ، والثمن سيدفع لاحقاً..
    والله كلام كبير ويملي الدماغ يا استاذ .. الله يحلي ايامك وبس.

التعليقات مغلقة.