في اللحظة الحرجة لا تنفع الوعود مهما كبر حجمها ومهما كانت صادقة النيات، ولا تصل الشعوب إلى هذه اللحظة الحرجة إلا بعد زمن طويل من انحسار الثقة في النظام، ولا تتآكل الثقة إلا بعد تسويف طويل في تنفيذ وعود سابقة، وهي تتآكل ببطء وخفية لا يشعر بها أركان النظام السياسي، أما السبب في عدم الشعور والتنبه، فهو كثرة فرق الموسيقى والطبالين، ومن ينسى أن الرئيس التونسي السابق بن علي قبل هربه ظهر في التلفزيون وقدم وعوداً للشعب التونسي كان فيها أقرب إلى التوسل، ومن ينسى وعوداً مثلها قدمها الرئيس حسني مبارك أواخر أيامه، لكن الثقة كانت قد ماتت وشبعت موتاً.
منذ زمن طويل والشعوب العربية حزينة ولم يهتم أحد، لكن المصير الحزين – المتوقع – للرئيس السوري دفع ديمتري مدفيديف الرئيس الروسي «والصديق» إلى تحذيره. الصداقات في السياسة لها فترة صلاحية، الموقف الروسي دخل مستوى النصيحة «الحزينة» صاعداً درجة من مستوى الإنكار و «عدم التدخل في الشؤون الداخلية»، ويتوقع صعوده درجات أخرى مع تزايد عدد ضحايا احتجاجات الشعب السوري، الأشهر الماضية من الانتفاضة السورية كانت فترة اختبار، الدول الكبرى المسيطرة على مجلس الأمن تختبر قوة النظام السوري وقوة الاحتجاجات، والغرب لا يختلف عن الشرق، ولأن الذاكرة العربية ضعيفة نذكّر بموقف فرنسا ساركوزي في بدايات الثورة التونسية، وما نشر عن استعدادها المبكر لإرسال نجدات لنظام الرئيس بن علي ضد الثورة، وحينما اتضح رجحان الكفة رجحت معها، وهو الموقف الأميركي نفسه من الثورة المصرية في البدايات. التغير يحدث مع تباشير التغيير، والدولة الرخوة التي مثلتها مصر في عهد مبارك تقابلها دولة صلبة «أمنياً» داخل سورية بشار الأسد، وانكسار الصلب إذا تزايد الضغط والطرق أمر حتمي.
الدروس تعاد مرة أخرى، وبالعودة إلى الثقة الكبيرة التي صبغت تصريحات الرئيس بشار الاسد بداية الثورات العربية، بأن سورية بمنأى عن مثلها يشير – مرة أخرى – إلى أن الأنظمة فقدت حواسها وزينت الحلقة الضيقة من حولها الأمور لها، أيضاً هو يشير إلى أن التنازلات ليست من مفردات القاموس السياسي العربي، وهو أمر مفهوم مع عقود من التفرد بالسلطة، هذه الخلطة القاتلة هي التي مكّنت من غزو العراق واحتلاله ثم التدخل في الثورات وتوجيهها والتقسيم لبعض الدول العربية، ولو كان الحد الأدنى من الثقة متوافراً لما توافر موقع لمجموعات مسلحة – كما يقول التلفزيون السوري – أو تدخل أجنبي.
يتآكل سطح المعادن ومن ضمنها الحديد الصلب إذاكان في حالة تفاعل مع الوسط الخارجي , و يسمى هذا التآكل بالصدأ.
و يسبب الصدأ خسائر جسيمة في الاقتصاد العالمي , تقدر بالميارات سنويا, و لمقاومة الصدأ يجب معرفة اسبابه و الوسائل المجدية لمقاومته.فكيف الحال بتآكل ثقة الشعب بالنظام كما ورد في مقالكم .أما عن انتهاء صلاحية الصداقات فهناك صداقات سياسية لا تنتهي long life.
دمت متألقاً دائماً