الصديق خالد عبدالحميد متلقيتو، أو «عاشق الجمال» كما يحب أن يلقب، أرسل رسالة وجدت أهمية استضافتها هنا، وخالد «الكيميائي» من القراء الذين «يتفاعلون» مضيفين لما ينشر. اليوم قررت ترك المساحة لقلمه وهو يكتب عن أهمية التغذية الراجعة ودور الصحافة في تقديمها:
«إن تكوين آليات تغذية راجعة يعتبر أحد أهم مبادئ علم الأنظمة مهما كان النظام صغيراً أو كبيراً ومهما كان نطاقه واسعاً أو محدوداً. وأي نظام يراد إنشاؤه بدون هذه الآليات فلن تقوم له قائمة من الأساس فضلاً عن إمكانية استمراره!
كذلك من السنن الاجتماعية أن هذه الآليات في الأنظمة الجديدة والصغيرة تكون فعالة وقوية بسبب «مرونة» النظام و «سرعة تفاعله» مع هذه الآليات لإصلاح مواطن الخلل فيه. تدريجياً، تضعف فعالية هذه الآليات بسبب فقدان المرونة نتيجة التعود أو التوسع وهو ما يفسر تعاقب الدول على مر العصور.
هذه الظاهرة تم رصدها من قبل السلف فقالوا: الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم حيث أن «الظلم» دليل تهالك آليات التغذية الراجعة والتفاعل معها، فتزول دولة الظلم وتبقى دولة الكفر.
الأنظمة السياسية تكون آلياتها ممثلة في أجهزة المباحث والمخابرات وغيرهما حيث تضم مسؤولياتهما كشف كل ما قد ينغص معيشة الشعب ليعمل النظام على إزالته. لكن، مع مرور الوقت يدب الصدأ في أوصال النظام وتضعف سرعة تجاوبه مع ما يرد من هذه الأجهزة فيزداد الضعف بشكل لوغاريتمي. يزيد الطين بلة؛ إن هذه الأجهزة هي جزء من النظام يتم تكوينها وفق معايير تغفل الهدف الأساسي من وجودها كالولاء لبعض الأفراد بدلاً من الولاء للنظام ككل!
لذا فإن أي نظام يسعى للبقاء يحرص على وجود آليات تغذية راجعة مستقلة عن النظام حيث أن التاريخ يخبرنا أن عمر أي نظام يتناسب بشكل مباشر مع فعالية آلياته للتغذية الراجعة.
فالنظام البرلماني الروماني؛ رغم عيوبه، كان ميزة نسبية مهمة أطالت عمر الإمبراطورية، بل إن كل الدول كانت قوية عند تأسيسها بسبب أن من يحيط بمؤسسها هم «زملاء» كفاح يمثلون آلية تغذية راجعة فعالة تضعف مع استبدالهم «بالأتباع».
في العصور المتأخرة، أصبح الإعلام الحر أهم آليات التغذية الراجعة حتى لو لم يكن نزيهاً، بل إن حرية الإعلام في رأيي أهم من استقلال القضاء في الحفاظ على سلامة وفعالية أي «دولة»!
فاستقلال القضاء لن يحول دون وجود بعض القضاة الفاسدين داخل جهاز القضاء، وكشفهم ليس بالمهمة اليسيرة. أما الإعلام الحر، فإنه لأسباب المنافسة (فضلاً عن النزاهة) سيعمل على كشف الإعلاميين الفاسدين ومن يدعمهم سرعان ما يتركهم لحاقاً بالكفة الراجحة.
فرق المطبلين صوتها يشاغب على آليات التغذية الراجعة حتى وإن كانت هذه الفرق صغيرة أو مقتصرة على الدوائر الضيقة؛ مثلما كانت الحال لحد ما، مع مبارك وابن علي. فكيف عندما تتحول كل أجهزة الدولة والإعلام أوركسترا ضخمة؟».
والشكر لـ «أبو سليمان»، ومن الجمال أن يعلم من في القمة حقيقة أوضاع القاع من دون تهويل أو تزييف.