عيد الشعوب

هذا العيد عيد مختلف لدى العالم العربي شعوباً وحكومات، يمكن الآن لرؤساء خُلعوا من السلطة أن يرددوا بيت الشعر العربي «عيد بأي حال عدت يا عيد»، سواء كانوا في مشفى أو منفى أو مخبأ، ولا بد أن كل واحد منهم يقلِّب كفيه على ما فرط، ويُلقي باللائمة على مَن حوله، وفي الوقت الذي تتلمس فيه مصر وتونس طريقهما الجديد، يكاد الليبيون ينهون محنة اختطاف شخص واحد لبلادهم لما يزيد على 40 عاماً، ديكتاتور لم يرَ سوى نفسه طول عقود حكمه، وترتفع أصوات السوريين واليمنيين أكثر فأكثر، وحينما تستقر الأمور ستظهر لنا قصص عجيبة عن الظلم والقهر تبدو مستحيلة الوقوع، فالحقيقة الماثلة أمامنا أن العالم العربي غائب بعضه عن بعض، وإنْ بدا متراصاً تجمعه «جامعة».
في شهر رمضان الكريم خصّص الدكتور محمد العوضي في برنامجه «بيني وبينكم» على قناة «الرأي» عدداً من الحلقات عن تونس، والتقى بعض السجناء السابقين في عهد الرئيس المخلوع بن علي، وشاهدت حلقة مع الدكتور المنصف بن سالم، وهو عالم في الرياضيات والفيزياء، كان لامعاً منذ بداية شبابه وحصل على شهادات مختلفة وعرف في الأوساط العلمية العالمية، لكن «بن علي» وضعه في رأسه فضيقّ عليه وسجنه ثم وضعه قيد الإقامة الجبرية مع حرمانه من العمل، على رغم مطالبات علماء وهيئات «في الغرب خاصة» بإطلاق سراحه.
جاء العيد المبارك بنهاية بن علي مخلوعاً ومطارداً، وبرز المنصف مرفوعاً يحمل حقيبة ملأى بالأدوية لأمراض إصابته من السجن والقهر، لكنّ فوقها آمالاً عريضة. وأمثال الدكتور المنصف لا شك كثُر في العالم العربي ممن ضيقت عليهم الأنظمة الدكتاتورية حياتهم، بعضهم استطاع الهجرة، بينما البعض الآخر لم يستطع، كان يمكن لهؤلاء أن يُستوعبوا ويمكَّنوا من العمل للإسهام في تغيير الواقع إلى الأفضل بشيء من السياسة والحكمة، لكن الديكتاتور أعمى، ومَن حوله يزيده عمًى على عمَاه. وفي لقاء مع عبدالسلام جلود على قناة الجزيرة، تحدث عن تجربة القذافي واصفاً إياه بالواهم، مشيراً إلى دور ما سمّاه «النفاق التطوعي»، وكيف أسهم في جعل الزعيم لا يرى سوى نفسه أينما حلَّ، والنفاق هو الغاز الوحيد الذي يتنفسه الديكتاتور ويتاجر به من حوله.
هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.