من عجائب العرب

أتمنى أن يتقاعد كل الساسة الغربيين؟ يسأل بعضكم لماذا؟ أقول إن السبب هو ثلاث خصال عند العرب لم تندثر حتى الآن رغم أحوالهم المأساوية على كل المستويات، الوفاء والنسيان والكرم، ولنبدأ بالنسيان، الذاكرة العربية صارت بلغة الكمبيوتر “تتفرمت” أتوماتيكياً، ولا أعرف السبب هل هو كم الصور المرعبة التي حفظت في تلك الذاكرة؟ مما زحم سعتها فغصّت وفاضت للحلقوم، أم تعدد أنواع الفيروسات التي اخترقتها وأصابتها بالعطب أم أنه العلاج الوحيد الذي استطاعت اللجوء له ذاكرتنا حتى تستطيع الاستمرار في حفظ العمل اليومي، هذا النسيان هو في تقديري سبب التبجيل والاحترام الذي يجده قدامى ساسة الغرب المتقاعدين، سواء كانوا رؤساء دول أو وزراء، أعضاء مجالس شيوخ أو لوردات، ومنذ أن يتقاعد واحد من هؤلاء حتى يصبح صديقاً بل أن فهمه لقضايانا المصيرية يتحسن إلى حد كبير ونجده لا يفتأ يصرح بآراء تثلج صدورنا.. والمشكلة أن تصاريحه وآراءه فقدت التأثير إلاّ في دغدغة عواطفنا وتخديرنا على اعتبار أننا استطعنا بعد تقاعده أن نغير رؤيته بجهودنا الدبلوماسية، وإذا عدت إلى مواقف هؤلاء الساسة عندما كانوا في سدة الحكم تجدها أبعد ما تكون عن فهم مشاكلنا، وما أن يتقاعد الواحد منهم حتى تتغير مواقفه رأساً على عقب لصالحنا طبعاً وتبدأ وسائل إعلامنا في استقبال رؤيته الجديدة والتي قد لا تظهر إلاّ في تلك الوسائل، وهي في حقيقتها لا تسمن ولا تغني من جوع اللهم إلاّ جوع ذلك السياسي المتقاعد فقط لا غير.
بل إن وفاءنا لهم قد يستمر حتى يدخلوا دور رعاية المسنين، وأعجب من حرص بعض الصحف على البحث عن هؤلاء وإعادتهم إلى واجهة الضوء عند كل قضية لأنهم فقط يقولون ما نود أن نستمع إليه وهم لا يقدمون ولا يؤخرون بل إنني أشك في احترامهم لنا عندما يصرحون بتلك الآراء التي لم تتطابق مع مواقفهم الثابتة عندما كانوا في الواجهة، أما الكرم العربي المشهور فهو يتجلى مع هؤلاء ومع غيرهم وأبرز ما يمكن ذكره هدايا الساسة العرب للقادة الغربيين فكما تعرفون تحرص كثير من البلاد الغربية على الإعلان عن الهدايا التي قدمت لرؤساء دولهم وهم في الحكم فهي ليست ملكاً لذاك الرئيس ولكنها للكرسي، يا للعجب هم يطبقون ما أوصانا به سيد البشر عليه أفضل الصلاة السلام، وهم يكشفون عن ماهية هذه الهدايا وأثمانها التقريبية، وتجد أن أغلى الهدايا وأندرها تأتي من الساسة العرب دائماً بل إنها قد تأتي على غلاء أثمانها من دول عربية تصنف على أنها فقيرة، ولأن العرب لا يعلنون عن ما يصلهم من هدايا مقابلة لتلك فنحن لا نستطيع المقارنة، هذه الهدايا الغالية والتي تشير إلى التقدير والتبجيل لم تساعد في تحسين استيعابهم لعدالة قضايانا ولا يبدأ تحسن الفهم إلاّ بعد التقاعد.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.