حارس المدرسة

التشجيع والحض على العفو والتسامح أمر حميد وظاهرة صحية، والمتابع يرى تعدد أخبار من هذا النوع، آخرها رجل يعمل حارس مدرسة براتب ضئيل عفا عن قاتل ابنه؛ لوجه الله تعالى، ورفض 20 مليون ريال، وبدخل لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال. الرجل أحوج ما يكون إلى المال، لكنه يطلب ما لدى الكريم المنان، ثم يقدّر دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعفو والتسامح، وقد مررنا بظاهرة الديات الضخمة، وكثرة طلب التبرعات و«الفزعات» لأجل عتق رقاب محكوم عليهم بالقصاص.
ومع إيجابية العفو والتسامح، وأهمية استمرار الحض عليه، لا بد من البحث عن الأسباب والجذور، للحد من الظاهرة السلبية. حوادث قتل لأجل خصومات أو شجار قد يكون سببه أمراً تافهاً مع كل الحسرات والآلام والضغائن التي تخلفها هذه الحوادث، وبعضها يبقى جمرة تحت الرماد.
وللأسف أنت لا ترى محاولات علاج للأسباب، لا من الوعاظ، ولا من الجهات الرسمية، وأول الأسباب محاولة أخذ الحق أو «ما يعتقد بأنه حق» باليد ثم بالسلاح، ويوضح هذا اعتقاد أن أخذ الحق بالطرق النظامية أمر غير سهل، وصعب المنال. والسبب الآخر المماثل للأول في الأهمية هو الغضب، فلحظة الغضب لحظة جنون وعمى بصر وبصيرة، وهو ما يحتم الحض على الرفق والتأني والتفكير بالنتائج المحتملة، وقبل هذا حرمة الدم والنفس المعصومة، الصورة المترسخة في أذهان البعض تعطي قيمة إيجابية للغضب. كيف لا تغضب؟!
ولا شك أن للتعليم والثقافة والتربية الشخصية أيضاً دوراً مهماً في ذلك، إلا أن الثقافة السائدة أيضاً عنصر مؤثر، لأنها تعلي شأن القوة والجبروت، وتعلمها للنشء، بل تحضهم عليها.
روى لي صديق – وهو شاهد على مفاوضات طي قضية قتل، في إشارة إلى تفاهة أسباب كثير من هذه الحوادث – هذه القصة: «دخل رجل وثلاثة من أبنائه المراهقين إلى محلٍ واشتروا محافظ نقود، المحفظة الواحدة بخمسة ريالات، وحينما غادروا مبتعدين اكتشف أحد الأبناء أن محفظته مشقوقة، عاد الأربعة غاضبين، وتلاسن الأب مع صاحب المحل، وعلت الأصوات، فغضب أحد الأبناء واختطف آلة حادة معروضة في المحل، وطعن البائع. توفي الأخير في الحال، وخلال سنوات من السجن والمفاوضات والوساطات و«حب الخشوم» وافقت عائلة القتيل على دية بخمسة ملايين ريال، جمعها أهل القاتل بالدين والهبات من هنا وهناك. والذي لم نستطع استيعابه أن الاستسلام للحظات الغضب ليس من الرجولة في شيء.
هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على حارس المدرسة

  1. سليمان الذويخ كتب:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    قال صلى الله عليه وسلم :
    ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب
    الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 5375
    خلاصة حكم المحدث: صحيح

    من ابرز عوامل تفشي ظاهرة (القتل) واقول ظاهرة وانا متأكد مما اقول / ليس كما يصرح كل من طرح عليه السؤال ( لا لا لم يصل لحد الظاهرة بعد) !!
    ابرز العوامل :
    – احتمالية العفو (بعد جمع الدية والمزايدات و حب الخشوم )!
    – انتشار ادوات القتل / السلاح الناري / الأسلحة البيضاء في البقالات
    وهذا مثال :(موضوع كتبته قبل مدة مدعم بالصور) ..
    http://www.mqataa.com/vb/showthread.php?t=36433

    وقبل هذا وذاك ثقافة التعامل مع الإستفزاز بهدوء بعيدا عن العنتريات !
    وختاما / المخدرات التي تغلق (صمام) التفكير في العواقب !
    تحية لك والله يكفينا الشر

التعليقات مغلقة.