بين السعودة وبيع الفيز

التقيت به أمام محطة الوقود يبحث عن عمل، هو من إحدى الدول المجاورة، قال إنه صدّق ما سمعه من أن العمل رائج في المملكة والفرص متوفرة، وأن تحقيق الآمال ممكن بوقت أقصر مما يتاح في بلاده، ولأن “الجماعة” قالوا هكذا فقد صدقهم، باع محلاً صغيراً يملكه ودفع تسعة آلاف ريال قيمة الفيزة وجاء مع آلاف غيره يحلمون بنفس حلمه بعضهم باع سيارته وقد تكون كل ما يملك للحصول على تأشيرة الدخول للعمل، وله الآن أكثر من سبعة أشهر يبحث عن عمل ولا يجد، غيره بالتأكيد وجد عملاً ولهذا نرى التغيرات “الديموغرافية” في أسواقنا، وكنت من جهلي متعدي الحدود أعتقد أن بيع الفيز “مهنة” انتهت مع تراجع الوضع الاقتصادي وبروز بطالة المواطنين أنفسهم إلى درجة شكلت همّاً وطنياً، إضافة إلى تلك الحملات التي شهدناها على ما سمي بالعمالة السائبة، والمؤسسات الوهمية الخ.. الخ!، إضافة إلى من يمكث من الحجاج طمعاً بالحصول على عمل، وإذا كنا لا نستطيع شيئاً حيال من يتقدم طالباً تأشيرة للحج ولا نعرف نواياه، فإننا نملك فعل شيء فيما يتعلق ببيع الفيز التي يفترض أن تكون شيئاً من التاريخ الذي جربناه وعرفنا نتائجه التي لا تخفى على أحد، قبل لقائي بهذا الشخص، كان هناك آخر يتسول قد يكون من نفس البلاد، ماذا يمكن أن ننتظر من شخص تحطمت أحلامه بعد أن باع كل ما يملك مسافراً لبلد يعتقد أن اللبن والعسل يجري في شوارعه، ثم يجد نفسه يعمل في البحث عن عمل!، وما هي آثار مثل هذه الجموع التي تأتي لنفس الهدف بالطريقة إياها أمنياً واقتصادياً، وما دور مثل أساليب الاستقدام هذه في إفشال خطط السعودة وتزايد أعداد بطالة الشباب، والضغط على الخدمات الضعيفة أصلاً، إن مثل هذه الممارسات تتصادم وتتعارض مع الوضع الاقتصادي بمجمله..
وإذا كانت الأوضاع الاقتصادية في زمن مضى تمكنت من أن تخفي وإلى حد كبير آثار العمالة السائبة وبيع الفيز فإن الأمر اختلف الآن بشكل جذري، ومن نافلة القول ان لا أحد يختلف في أن بيع الفيز واستيراد العمالة من غير حاجة هو عمل يتعارض مع الوطنية ويقوم بدور تخريبي للاقتصاد الوطني، ويفشل كل محاولات علاج الوضع الاقتصادي، ولا بد من مواجهته.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.