تصانيف

المعروف في كل بلاد العالم أن الجامعات هي مراكز الإبداع والبحوث، ومنها تتدفق الأفكار المنتجة الجديدة وفي مراكزها يتم فحص القضايا والمعوقات وتستنبط الحلول، فهي ليست مجرد مدارس من المقاس الكبيرة فقط، إنها شيء أكبر وأعمق وأبعد نظراً من ذلك، وفي النادر نرى هذا من جامعاتنا فقد قنعت بدورها التعليمي، بل انها مازالت تمشي بسرعة السلحفاة لتغير أوضاعها وتتكيف مع حاجات البلد والاختناقات التي تحصل بسبب تكدس خريجي كثير من التخصصات، ولأن التغير يحصل سريعاً قامت العديد من مراكز التدريب الخاصة بصالحها وطالحها، بعض منها أسس بشكل متين محاولاً سد الفجوة والاستفادة من بطء الجامعات ومراكز التدريب الحكومية في التكيف مع احتياجات السوق، واستحدثت هذه المراكز دبلومات لخريجي الثانوية العامة، ممن لم يسعفهم الحظ في الحصول على مقعد في جامعة محلية، استفاد كثير منهم في التأهل لسوق العمل أو على الأقل تطوير قدراته، وقدمت فرصاً وخدمة لا يمكن إنكارهما، لكن ما الذي حدث؟، قامت الجامعات الحكومية باستنساخ التجربة وتقليد مراكز التدريب ومنافستها في الدبلومات بنفس التخصصات بل في تفاصيلها كما يقول أحد المختصين في مراكز التدريب، ويذكر لي أحد المتابعين للقضية أن المراكز يشرف على دوراتها عملياً أساتذة من الجامعات، والذين عن طريقهم فيما يبدو تم نقل التجربة، وبدلاً من أن تكون الجامعات رائدة وقائدة أصبحت تابعة ناسخة، ويعلن أصحاب مراكز التدريب أنهم على وشك الغرق ليس بسبب دخول الجامعات الحكومية في منافستهم بل لأن وزارة الخدمة المدنية تعامل خريج الجامعة معاملة خاصة “الخريج الأكثر رعاية” مقارنة بخريج تلك المراكز، حيث صنفت الوزارة دبلومات الجامعات مما يسهل على حامليها التقدم لوظيفة حكومية بالمرتبة الخامسة لدبلوم السنة الواحدة والسادسة لدبلوم السنتين بعد المرحلة الثانوية، ولا يطلب أصحاب مراكز التدريب إلا المساواة بين خريجي مراكزهم وخريجي دبلوم الجامعات، ووزارة الخدمة المدنية التي صنفت الخريجين من الجامعات، لم تصنف خريجي المراكز بل هي متهمة منهم بالتباطؤ في ذلك، وأستغرب من عدم تصنيف الوزارة لهم فهل “صنفت”!! معها أن لا تصنفهم، وهل يمكن أن تتحول “التصانيف” عن التصنيف!؟، أليست الدبلومات متشابهة ومعترفاً بها ونفس مدة الدراسة. وتخوف أصحاب مراكز التدريب على استثماراتهم أمر مشروع، وهم هنا لا يطالبون بحقوق فكرية ولا ريادية للدبلومات.. فقط المساواة، وفي ظل هذا الوضع من الطبيعي أن يتجه خريج الثانوي الباحث عن دبلوم إلى الجامعة بدلاً من مراكز التدريب، فهو يبحث عن وظيفة بالتالي ستقفل المراكز لضعف الإقبال، مع تبخر ما استثمر فيها، وأجد أن مطالب مراكز التدريب في هذا الشأن عادلة، وكان على الجامعات الحكومية أن تفرح لأن هذه المراكز “ضفت” كثيراً من الشباب الذين أعيتهم الواسطات للدخول إلى حرمها، بدلاً من أن يقفوا على أبواب المسؤولين فيها حاملين أوراق الشفاعات، كان الأحرى بها أن تفكر بتخصصات أخرى جديدة وليست مستنسخة، فهل مسألة التفكير في الجديد صعبة إلى هذا الحد، وما دامت الجامعات قلاع العلم والابتكار تستنسخ من مراكز حديثة التجربة، فَلمَ نلقي اللوم إذاً على أصحاب المشاغل النسائية ومطاعم المندي؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.