‘حراج الميزانية’

متقابلين يجلس هذه الأيام موظفون من الوزارات والمصالح الحكومية مع زملائهم في وزارة المالية، والموضوع ميزانية وزارة أو قطاع، كل منهم يحمل ملفات وتوجيهات من وزير، ويسمي بعض الموظفين هذه الاجتماعات بـ”حراج الميزانية”، وهي تسمية جاءت من أسلوب المناقشة ونتائجه، فهو ماراثون من محاولات التوصل إلى اتفاق بين رغبات الجهات الحكومية ومحاولات وزارة المالية خفض الطلبات إلى أقصى حد، وعلى سبيل المثال يتقدم مندوب الجهة الحكومية،مبيناً حاجتهم إلى مائة وظيفة جديدة فرضاً أو مائة جهاز كمبيوتر، ويأتي الرد من المالية بالشعبي “غديكم تخفضونها”!.. “يكفيكم ثلاثين”!،.. “أنتم عارفين الظروف” وبعد مفاوضات واجتماعات وواسطات واتصالات، تكون الموافقة إما على أربعين أو ثلاثين أو الاقتناع بعدم الحاجة لها بتاتاً مقابل تنازل أمام طلب آخر.. وهكذا، هذه الطريقة متبعة منذ أيام الوفر المالي أي قبل التقشف وتراجع الإيرادات وتزايد الديون، وأيام كان استحداث الوظائف الحكومية والجديدة قائماً، وكان هذا الأسلوب يدفع بالقطاعات الحكومية إلى المبالغة في طلباتها من الاعتمادات المالية، ولا أعرف الآن مع الشح والتقشف هل لا زالت تبالغ في طلباتها؟، لكنه أسلوب في النقاش يبين أن لا خطة واحدة تجمع الجهات الحكومية مع المالية، فليس هناك أرضية مشتركة أو أهداف زمنية يجب الوصول إليها، بمعنى آخر فإن خطط التنمية التي يفترض أنها تحتوي الآفاق المستهدفة لا تمثل في واقع الحال إطاراً حقيقياً لمثل هذه المناقشات، وأتذكر مثلما يذكر كثير منكم بعض الوزراء في فترات ماضية خصوصاً أيام الوفر المالي، وكيف كانوا ينظّرون على صفحات المطبوعات المحلية عن خطط التنمية التي كانت ولا زالت تركز على تنويع مصادر الدخل وإحلال العمالة الوطنية، فلا تم تنويع الدخل بالصورة المعقولة والباعثة للأمل، “انظر تجربة إمارة دبي مثلاً”، ولا تم إحلال حقيقي للعمالة الوطنية، والمفترض أن تلك الخطط جهزت لعلاج المعوقات التي نعيشها حالياً من مخرجات التعليم غير المفيدة بل المعيقة إلى تزايد البطالة.
أعود إلى “حراج الميزانية” فمن مشاكله أن المحاسبة تتم بشكل دكاكيني، لذلك تتخلص جهات كثيرة من أموال في بنود ما حتى لا يصبح عدم صرف هذه الأموال، عند المناقشة، حجة لوزارة المالية دالة على عدم حاجة الجهة الحكومية للبند، ومن طول الجملة السابقة يمكن لك تخيل المناقشات!!، وبالتالي عدم تعزيز البند أو خصم ما تبقى منه في الميزانية المقبلة، وهذا سوق سنوي لكثير من الشركات والمؤسسات يمكن أن اطلق عليه “حراج البنود” تعتمد حظوظ الشركات فيه على العلاقات الشخصية بالدرجة الأولى، ويتم خلاله توريد أو تنفيذ احتياجات قد لا تكون مهمة بل قد تكون كمالية، مثل أن يعاد رصف منشآت لا تحتاج أرصفتها إلى تحسين أو تغيير ديكور والأمثلة كثيرة، والنتيجة هي مزيد من الهدر وعدم الاستفادة بسبب عدم المرونة في ما يسمى “مناقلة البنود” وخوف الجهات الحكومية من صرامة ظاهرية للمالية مهمتها الخفض فقط، لكنه كما قال صديقي الموظف.. “حراج الميزانية”!.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.