أستطيع ان أتفهم اتصالات حماسية من سعوديين لبعض القنوات الفضائية التي تتناول شأناً سعودياً، هذا التفهم لا يخلومن غصة ومرارة ويقين باللاجدوى غالباً، ومعرفة بأن هذه الاتصالات تشكل مادة حيوية لاستمرار تلك القنوات في واجهتنا، ولكنني تعلمت محاولة التفهم والفهم من عملي الإعلامي، القنوات الفضائية أشبه بالدكاكين بعضها ثلاث فتحات في موقع بالخاصرة العربية، وبعض آخر أقل شأناً لا ترقى إلى دكان، هي أقرب إلى “مبسط” على رصيف يتوقع ان يداهمه المقرضون في أي وقت؟.. دكاكين الفضائيات هذه استنسخت تجارب اعلامية غربية وكالعادة توصلت إلى نسخة مشوهة بحثاً عن الرخص في الشكل والمضمون، وظهرت نسخ مشوهة من كل برنامج، على رأسها برامج الحوارات.
في هذه الدكاكين يتحول المذيع إلى “شريطي” دلال يصرخ كل لحظة قائلاً: كم نقول؟، ومهمته الأساسية “تعقيد الشوش”، شوشة هذا بذاك، وإذا لم توجد عقدة بين الضيوف يحاول جاهداً ايجادها، وإذا لم ينجح يسقط في يده ويفتر حماسه ويود لو أوقف التسجيل ليقول لهم لابد من التسخين، لا أحد يريد أن يستفيد أو يفيد فهذا آخر اهتمامات المعد والمقدم والقناة، المهم الاثارة وما أسهلها، ونمثل نحن السوق المفضلة فمن عندنا تصدر أغلب المكالمات والمشاركات حتى مع تلك “البسطات” الفضائيات التي تعيش على كاميرا كتف واحدة، ولهذا فنحن “منتوفون” من النتف، إعلامياً، تتقاسم شؤوننا دكاكين وبسطات الفضائيات، والسبب انه لا يوجد لدينا منابر أرضية ولا فضائية حقيقية والعجيب ان المحسوب علينا من الفضائيات تنحصر اتصالات ناسنا بها بطلب الاغاني وشؤون المطبخ ومشاكل المراهقات، وما يسمى الترفيه الفضائي، فهم يبتعدون دائماً عن المواضيع الساخنة وكأنهم لا يريدون قطع ارزاق الدكاكين الاخرى، داخلياً لازلنا في عصر ما هي مشاعرك؟ وماذا تقول عن مصايفنا الجميلة الهادئة!؟ ولأن الشيء بالشيء يذكر أخرج عن الموضوع قليلاً، فقد شاهدت مزايدة على الهواء مباشرة بين مواطن ومذيع في تلفزيوننا على مدح المصايف المحلية، حتى ان المذيع المسكين صمت لان المواطن استنفد كل الكلمات والمفردات وزاد لائماً التلفزيون بشدة لان الأخير لا يهتم كما يجب بعرض التطورات والامكانات والمنجزات!! المتوفرة في مصايفنا الجميلة.. اللذيذة!!؟
أعود إلى الموضوع وإلى دكاكين الفضاء التي صرنا بضاعة تلفونية لها بسبب الفراغ الفضائي الارضي المحلي وحالته المتأرجحة بين التجمد والسيولة، فاذا فهمنا أسباب اتصالات المتحمسين ممن تدفعهم الغيرة الوطنية، أو الحنق، فانني لا أفهم تصدر بعض الاعلاميين السعوديين الذين يتنقلون بين الفضائيات إما اجساداً أوصوراً فيظهرون بشكل أقل ما يوصف به انه غير مقبول، فاذا كانوا يطرحون انفسهم ممثلين لنا اعلاميين أو مواطنين، ونحن لم ننتدبهم اصلاً! فيجب ان يستطيعوا الحفاظ على ماء وجوهنا، أو ان لا يخرجوا ويتصدروا ما دامت إمكاناتهم أقل من ذلك، ويستمتع بعض منهم بوهج الشاشة متناسين خطورة الانطباع الذي يرسخونه عنا وفي هذا الوقت بالذات والضباع وبنات أوى تتربص بنا، وقد تجده في أكثر من واحدة من الشاشات وتهز الريموت كنترول متوقعاً انه مخزن فيه!! المسألة أعمق بكثير من ان يقدم الإعلامي نفسه كخبير في هذا الشأن أو ذاك. ولابد من عودة للموضوع.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط