شق الصف

كان التراشق بين التيارات «الفكرية» – إن جاز التعبير – محدوداً في مقالات متناثرة وردود عليها، وقد يحدث تراشق في ندوة، لكن لا يتجاوز هذا الحد. ومع بداية ما سُمي بالربيع العربي وانكشاف ضعف عدد من الأنظمة العربية أمام الحشود، وظهور علني نشط لأجندات قنوات فضائية مؤثرة في دعم هذا التيار أو ذاك، والغمز على هذا النظام أو ذاك، بدأت حدة الاستقطاب تتصاعد، لتصبح كل قضية تطرح أو تنطرح موضوعاً للتراشق، وتسلمت استدامة هذه الخلخلة وإشعال فتيلها كل فترة وسائل ومواقع التواصل الإعلامي الاجتماعي.
ومن المعروف لكل متابع مهتم أن حرب الأفكار هي أساس ما تعيشه المنطقة من صراعات، وأعلن ذلك وزير الدفاع الأميركي الأسبق رونالد رامسفيلد، حين قال: «نخوض حرب أفكار مثلما نخوض حرباً عسكرية». ومثل هذا قالته كوندليزا رايس، وكذلك بول وولفويتز، حتى توني بلير الذي أبدى أسفه عن غزو العراق قال في تلك السنين: «إن كنتم تريدون أن تنقلوا الحرب إلى أرض الأعداء، فعليكم أن تهزموا أفكارهم ودعايتهم»، مع تطريز بدمج ذلك بمحاربة الإرهاب، في محاولة لكسب مشروعية هذه الحرب، وهذا من صلب الاستراتيجية الأميركية التي نصّبت المسلمين والإسلام عدواً جديداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهجمات 11 سبتمبر الغامضة.
في عام 2011 حذّر الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – في كلمة مطولة من الوقوع في فخ التصنيفات، قائلاً: «إن أي حوار لا يلتزم بمنهج الحوار الصحيح وقواعده وآدابه يتحول إلى فوضى»، محذراً من مغبة غياب الحوار أو الوقوع في فخ التصنيفات الفكرية.
وكما نرى، الوعي بخطر التصنيفات الفكرية حاضر في وقت باكر من أعلى مستوى في المسؤولية، لكنه لم يجد الأدوات الرسمية المناسبة لترجمته إلى فعل واضح يحمي المجتمع والوطن من شق الصف. وهنا أتساءل عن ماهية دور المستشارين الكبار والوزراء الذين بيديهم إنجاز «فعل» مؤثر واضح المعالم، ولماذا لم يستطيعوا تحقيق ذلك، أم أنهم يقرأون ويطالعون مثل أي قارئ ينشغل عما قرأ بأمر آخر ثم يتناساه؟
إن خطر التصنيفات «الفكرية» يزداد، والشق يتسع، وهو مدخل للأعداء و«الأعدقاء».

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على شق الصف

  1. ارى من وجهة نظرى اننا نحتاج الى تفعيل قوانين تجرم جميع انواع التصنيفات الفكرية ومحاسبة من يسهل نشرها

  2. شهاب بن عبدالرزاق السويلم كتب:

    الوزراء؟!!!؟ مشغولين يا أبا أحمد بالمعاملات اليومية الإجرائية لوزاراتهم!! ?

التعليقات مغلقة.