يهمني هنا نحن، عرباً ومسلمين، وإلا فالمسألة تدخل فيها أمم أخرى، واستكمالاً لمقالة الأمس، أسباب الاهتمام كثيرة في واجهتها أن صورة التدين في الغالب لدينا طاغية والحديث اليومي عنه أو الإحالة إليه هي السائدة، قلت… صورة، فالشكل لا يعني المضمون، والكتاب لا يدل عليه عنوانه.
«الكتاب من عنوانه» عبارة خاطئة مضللة كانت صالحة في زمن الأمانة والصدقية، زمن الطيبين أو لنقل زمن الأقل سوءاً في الحد الأدنى، لكنها في زمن العولمة والفشخرة وما يسمى «الشطارة» والتحايل تحولت إلى مصيدة، يمكن لك أن تسترجع عناوين بعض الكتب لتعلم أن مضمونها لاعلاقة له بعناوينها بقدر علاقته بالاحتيال والاستغفال، وعناوين الكتب هنا على سبيل المثال، فالعنوان يقوم مقام الشعار والصورة، يؤدي الوظيفة نفسها.. الترويج للجذب.
لذا يخيل إلي أن منا من لديه «غدة حرمنة» نشطة، ومع أجيال من عدم ردعه أدى تراكم «الإفراز» لتنشيط الغدة نفسها لدى آخرين، حتى تحولت إلى غدة متضخمة كامنة بواجهة لامعة.
ومن كثرة الإفراز اللزج، ساح على الأرض، ثم تحول مع سخونة التحولات إلى غاز انتشر، فمن استطاع الابتعاد ولم ينزلق في اللزوجة، اضطر لاستنشاق هواء ملوث.
التعميم خاطئ لكن الحقيقة مرة.
إذا كانت أبسط الأمور وهي التعاملات الفردية بين الأفراد وبينهم وبين المؤسسات خاصة أو عامة هي بالشكل الذي نعلمه لا بد أن نسأل عن الأسباب. لماذا ندعي أن صورتنا نظيفة ونحن أبعد ما نكون عنها؟
وهذا مناسب للحديث عن الخصوصية، لماذا لم تبرز في هذا الجانب «الإيجابي»؟ ولماذا لم يسع لإبرازها بالرعاية والحراسة وهو أمر ليس مستحيلاً ولا صعباً بالقوانين وأنظمة تطبق وتطور وتشمل الجميع؟
إذا كنا نريد الريادة فعلاً، فلا بد أن نقدم التجربة الإيجابية المقنعة في مختلف المجالات والأخلاقية في مقدمها، فهي رأس حربة قوة الثقافة المصدرة، فالناس أو لنقل الأمم الأخرى لا ينظرون إلى ما نقول بل إلى ما نفعل، وليس مهماً صورتنا لدى الآخرين بقدر تطابقها مع ما ندعيه، وإذا لم تتطابق الأفعال مع الأقوال فقدت الصدقية وانحدرت الثقة.
هل في بعض منا «حرمنة»؟ الجواب نعم بالفم المليان، وإلى أي مدى تشربت بها نفوسهم؟ الجواب إلى مدى يزداد علواً!
ويبقى السؤال لماذا لم نستطع القضاء على هذه «الغدة» الكامنة، على رغم كل «مظاهر» العفة والطهارة ونظافة اليد؟