كان عام 2014 ذروة السطوة الإيرانية على الدول العربية، لدرجة تخفَّفَ فيها «الدهاء» الفارسي من حذره، خالعاً قميص التقية ليسمي الأطماع بمسمياتها، فيعلن النائب في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني المقرب من خامنئي، متفاخراً بأن طهران تسيطر على أربع عواصم عربية. إعلان هز كل عربي وأخرج كل عميل متلون من جحره.
إعلان التتويج هذا جاء بعد سيطرة الحوثي على صنعاء، وكانت لحظة تترقبها إيران، وهي سيطرة تمت بخنوع ومسايرة وتخادم قوى يمنية مختلفة تغير جلودها تكيفاً مع المستجدات، انضمت صنعاء إلى بغداد وبيروت ودمشق… قطار الخميني في الطريق لاكتمال العقد، ورأس الحربة «حزب الشيطان» كان الداعم والمدرب والحاضر عسكرياً وإعلامياً.
أمل الربيع العربي الذي فرضه الاسم المختلط بالحلم والإحباط العربي المتراكم تحول كابوساً، مثل معول هدم التماسك الهش لدول عربية محورية، فانشغلت كل دولة بنفسها وانقساماتها، وانشغلت أخرى بالتحوط من هذا الخطر، واكتشفنا أن الغزو والسطو الإيراني لا يختلفان عن الإسرائيلي إلا باستخدام الطائفية، فهو تفوق على الصهيونية بتوظيف العملاء بثياب مذهبية، سواء لبست العمامة أو تمسحت ببدلة غربية. ومن الهوان أن ذلك الإعلان مكث مدة من الزمن من دون رد، حتى بدا أن التسليم، بل الاستسلام لواقع مرير دخل حيز اليقين.
وقتها تعددت الطروحات وارتفعت الأصوات عن ضعف السياسة الخارجية للسعودية، فليس هناك غير السعودية لقيادة مواجهة تمدد وغطرسة نظام الملالي في طهران، كما أنها في دائرة الاستهداف.
وخلال فترة قصيرة من تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم، انطلقت عجلة عمل شاق لإعادة ترتيب الأوراق، ليولد التحالف العربي لاستنقاذ اليمن وإعادة الأمل لليمنيين، مع موقف صارم من إيران وطرد للسفير، وتحول في السياسة مع العراق وجمع لتكتل إسلامي عسكري فكري. وسط هذا، كان هناك جهد للتعامل مع خبث إدارة أوباما التي مهدت لهذا كله، ومع أن العدوان الصفوي مستمر إلا أنه أصبح يواجه دفاعاً عسكرياً وسياسياً، فيما لا يزال الإعلام دون مستوى المواجهة. وهي مواجهة ستطول، والإدارة الأميركية التي مهدت لهذا بالاتفاق النووي وما قبله عند تمكين إيران في العراق، تظهر بوجه جديد في إدارة ترامب. والمسألة ليست توجه فرد تولى الرئاسة، بل هي سياسية واستراتيجية قائمة على الاستنزاف، والشاهد محطات بوش، أوباما، وتالياً ترامب!
واقع قوة مهيمنة لا بد من التعامل معها لاستخلاص أكبر ربح بأقل خسائر ممكنة، إنما لا يمكن تصوير «أبو إيفانكا» بأنه المخلص للعالم العربي، فهذا من الاستخفاف بالعقول، وهو لا يختلف سوى في الشكل عن الترويج لتجميل الغزو الأميركي للعراق آنذاك.