ضع في أقصى عقلك كلما شاهدت إعلانات ملونة لسماسرة «الفوركس» و«الاستثمار» في العملات، صورة ماكينة سنجر، وإذا انبثقت نافذة في جهازك قسراً تدعوك إلى «الفوركس» أغلقها، فهي من النوافذ التي تأتيك منها العواصف الرملية، وإذا اتصلت بك سمسارة أو سمسار أو أرسلت رسالة في «الواتساب» تأكد أنها ستبيعك ماكينة سنجر القديمة مزينة إياها بالزئبق الأحمر الدولاري.
والزئبق الأحمر خرافة، والزئبق الفضي لن تستطيع الإمساك به فهو ينزلق من بين أصابعك مثلما ستتبخر نقودك. ولا يغريك صوت امرأة ولا وعود من يدّعي الخبرة، ولا إعلانات تضع صور شبان يلبسون أشمغة أو فتيات متحجبات مبتسمات، يقلن لك في الإعلان إنهن كسبن كذا خلال كذا برأسمال بسيط ويدعونك للانضمام، فليس في المسألة حب للخير. فكل هذا إعلان مدفوع غرضه الأساس «خرفنتك»، لاقتيادك إلى مسلخ الخسارة والديون، ولقحش ما في جيبك. وأنت لا تقبل بأن تكون خروفاً، كما أن الجالسة بجوارك أو في بيتك لا تقبل أن تكون شاة. لتكن القاعدة لديك «شيء لا تعرفه تَرْكُه أولى» بخاصة في استثمار عن بعد لا تعرف أصوله ولا فصوله، والسماسرة فيهم من موظفي بنوك ومستقلين غرضهم الاصطياد، فلا تقدم رقبتك لمن لن يرحمك.
يشبه «الفوركس» ساحة مملوءة أرضيتها بالزئبق لا مكان لك فيها للوقوف على رجليك، الداخل إليه مفقود ومن سلم منه مولود، ولا تخدع نفسك بأنك ستخصص مبلغاً صغيراً له لن تزيده، لأن هذا هو بداية التزحلق على سطح زئبقي ما يعني تحطم عظامك، فأنت في حقيقة الأمر ربح السمسار والسمسارة… أنت الصفقة!
رُفعت كثير من القضايا في الدول الغربية على سماسرة «الفوركس» ودفعت بعض البنوك تعويضات، لكن من طريق شركات محاماة، وعلى رغم بحثي واستعانتي بأصدقاء لم أجد لـ «الفوركس» إدارة، فهو مثل الساحة اسم مفتوح لجذب السذّج ومن يقطر لعابه لأرباح لن يحصل على فلس منها.
ينشط سماسرة «الفوركس» في الشرق الأوسط أكثر من غيره، فهو مثل الدقة القديمة في البلاد المتقدمة، لذلك أكثر ضحاياه هم من أبناء هذه المنطقة وللسعوديين نصيب، يقال ولا أعلم عن دقة الرقم إن خسائرهم وصلت إلى عشرة بلايين. والعجيب أن إعلانات سماسرة «الفوركس» منتشرة وحاضرة في كل نافذة تفتحها تقريباً وأنت تتصفح على هاتف جوال أو كومبيوتر، وفوق هذا ندوات دورات للتدريب «مجانية» لتداول العملات تعقد في مواقع معلنة، و «المجانية كثر منها ويا خبير خلصنا من ها للي صار!».
والسؤال للإخوة في هيئة سوق المال ووزارة التجارة وهيئة الاتصالات، ألا يمكن الحد من استغفال الناس وتجفيف دخولهم؟