لكثرة ما تصل إليه باقات الزهور والورود كل صباح في «واتسآب» يفكر أحد الأصدقاء بفتح محل افتراضي لبيع الورود، وقرر القراءة والبحث في أنواع الورود وألوانها ودلائل التعبير والرسائل التي تتضمنها بصورة غير مباشرة. ويقول ضاحكاً عن صور الورد الصباحية إنها تهيئة لطيفة لما يتبعها من رسائل، وهو صنف الرسائل التي تصل إليه من أفراد أو مجموعات، في الصباح ورد وتمنيات طيبة، وفي الظهر رسائل عن الأحداث وتعليقات، وفي المساء أحاديث وتذكير.
ويقول إن الناس في الافتراضي أحسن منهم في الواقع، ورداً على تساؤلي عن الظلم في حكم عام مثل هذا، قال إنه لا يعمم، لكنه واقع يعايشه، وشرح ذلك بمثال لواحد ممن تربطه بهم علاقة عمل وحقوق مالية. إذ له خمس سنوات لم يرد مبلغاً تسلفه مع قدرته على الوفاء، لكنه يصبحه بالخير كل يوم بباقات ورد يحرص على تغيير ألوانها كل صباح مع تحية أو حديث ودعاء، وحينما يرد عليه مصبحاً إياه بالنور والسرور، لا ينسى صاحبنا من تذكيره بالعشرة آلاف ريال التي ما زالت باقية في ذمته ولم يسددها، فينزعج صاحب الورد الافتراضي ليغيب يوماً أو يومين ثم تعود الباقات الملونة للانهمار من «واتسآب»! ويعلق الصديق بأن الورد ليس مشكلة، فالمشكلة – في رأيه – في الكم الضخم من الأحاديث والنصائح الوعظية المختلفة عن أخلاق المسلم وتحري فعل الخير، حتى للقطط والكلاب، التي يرسلها المدين كل يوم ولا يعمل بواحدة منها، وهو يسخر من هذا الواقع المتناقض.
وكم من فئة قليلة أساءت لفئة كثيرة، بل إن صورة مجتمعات تشوهها تصرفات أفراد، والصديق طلب من صاحبه ألا يرسل أدعية وأحاديث إلا بعد أن يرد المال الذي في ذمته، لكن المدين رفض واستمر بمزيد من الإرسال! ويعلق صديقنا ساخراً على هذا السلوك بأنه يريد الحصول على أجر وثواب مجاناً.
وإذا كان البخيل لا يدخل يده في جيبه لوجود عقارب افتراضية تمنعه من ذلك فإن الذين لا يردون الحقوق تتوافر في أفئدتهم «تجوريات» تودع فيها حقوق الناس على أنها مكاسب، وإذا قيل لهم لماذا لا تردون حقوق الناس وأنتم قادرون؟ ردوا بأنهم لا يحتاجون إليها، بدليل أنهم في خير!
ففي نظرهم وقناعاتهم أن صاحب الحق يجب أن يصل إلى مرحلة الفاقة والعوز، وتظهر أماراتها على وجهه، ليأتي ذليلاً خانعاً لهم حتى يتكرموا بردّ حقه له!