علاقة الأكل بشهر رمضان المبارك علاقة غريبة، فصيام الشهر الكريم من ضمن ما يعلّم – في المفترض – الصبر على الجوع والعطش، لكنه في الواقع علّم ودرّس التفنن في الأكل طبخاَ ونفخاَ وعرضاَ واستعراضاَ، وهذه الإشكالية غير المفهومة ليس سببها رمضان، بل هو خليط من جوع موقت أدى الى تفاقم الشعور بالحرمان، وانتظار الفرحة بالإفطار بتكديس يملأ جوع العين العطشى، ذاك على المستوى الفردي، أما على مستوى المجتمع فيضاف إليه استغلال تجاري بالإعلانات والتخفيضات التي تستثمر نقاط الضعف هذه، ثم برامج الطبخ التي انضمت إلى القافلة الغذائية في رمضان.
إلا أن مقدار الأكل المأكول، مقارنة بالمعروض، في تقديري قليل، والكلام عن الأكل أكثر من تناوله، والفاقد مؤكد أنه كبير، فالسائد في الذهنية الشعبية هو امتثال للمثل الشعبي «واعد عشرة جمالين» والعشرة في رمضان من الأطباق أو أنواع الغذاء، والرجل في عصر يوم من شهر رمضان يشبه المرأة طوال العام، نفسه أمارة بالشراء، مع تركيز على الغذاء.
ويختلف الناس في طريقة تناول الإفطار في رمضان، بعضهم يجعله على دفعات، للحاق بصلاة المغرب ثم التفرغ لما بقي، والبعض الآخر تخصص جملة، فرفع الأذان طلقة انطلاق السباق، ولازلت مصراً على أن المأكول، مقارنة بالمقدم على المائدة، قليل؛ فالـ«عين تشبع قبل البطن أحياناً»، وكانوا يقولون إن الأكل على قدر المحبة، وهو كلام لو انطبق في عصرنا الحاضر لكانت المحبة للطباخة الآسيوية أو لطباخ في مطعم – الله وحده أعلم بما يحشو مأكولاته – فإذا دعوت أحداً فلا تكثر الإلحاح عليه بتناول الأكل وتجريب هذا وذاك، فالشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، بل اتركه على راحته، وهو سيأخذ حاجته، وليس لحجم ما أكل علاقة بمؤشر المحبة، ففي كل الأحوال المؤشر – يقيناً – ليس في المعدة.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط