ثمن إبراء الذمة!

مواطن يعمل في مؤسسة حكومية بعث برسالة يروي فيها قصته مع إدارة المؤسسة، وهي قصة عجيبة، عندما قرأت رسالته قلت له إنه بحاجة إلى محامٍ، فهذا الزمن هو زمن المحامين، لكنه بعد التوكل على الله اعتمد على نفسه وما زال ينتظر.
يسرد المواطن بداية القضية قبل 8 سنوات تقريباً، قائلاً: «تم إيداع مبلغ مالي في حسابي يعادل راتب شهر كامل، وعند الاستفسار عن هذا المبلغ تبين لي أنه في مقابل عمل إضافي، وحيث إني لم أعمل خلال هذه الفترة اعتبرت هذا المبلغ مالاً غير سليم ولا أستحقه، ولكن هذا لا يعجب مرجعي، ويقولون لي إذا لم ترغب فيه أرجعه نقداً».
يضيف المواطن: «بعد ذلك تم استهدافي محاولين توريطي في أمور مالية وإدارية، إلى درجة أنني لا أستطيع أخذ إجازة لأنهم وبكل سهولة يخصمون من راتبي، مع العلم أن لدي رصيد إجازات، وهذا غيض من فيض». نتابع من رسالة المواطن: «وبعد كل هذه الضغوط وخوفاً منهم على نفسي وأسرتي قمت بإيداع المبلغ باسم حكومة خادم الحرمين الشريفين استناداً إلى فتوى شرعية من دار الإفتاء»، وبالمختصر وبعد الإيداع تعقدت القضية أكثر، إذ أحيل للتحقيق من لجان داخل المؤسسة وصدرت في حقه إجراءات إدارية، منها تحويله إلى عامل بعد أن كان رئيساً، وحرمانه من العمل الإضافي (خارج الدوام)، وتوجيه خطاب لوم له مع خضوعه لتقارير أداء شهرية. ومما زاد ألم الموظف تعرضه للتشهير بين زملائه، إذ إن خطاب اللوم «السري في المفترض» تم توزيع صور منه مع شروحات عليه تستهدفه، ويكمل الموظف أنه بعد ستة أشهر حققت معه اللجنة نفسها مرة أخرى، واتهم بإفشاء الأسرار واستغلالها لأهداف شخصية ليتم خصم نصف راتبه! توجه المواطن إلى وزارة الخدمة المدنية التي أفادته بعدم اختصاصها، ليتوجه أخيراً إلى ديوان المظالم ويحصل على أكثر من حكم لمصلحته، طبعاً بعد طول جلسات يعرفها الجميع، بخاصة إذا كان فيها مندوب جهة حكومية، لكن أحكام ديوان المظالم لم تنفذ على رغم مرور سنوات على صدورها.
لا شك أن للنزاهة ثمناً، والمقولة السائدة في العمل الوظيفي منذ زمن بعيد «لا تكشف مغطى ولا تغطي مكشوفاً»، وهي إشارة أو نصيحة للمسايرة «جنب الساس» حتى لا ينظر إليك بعين حمراء في الوسط الوظيفي، ولم تبرز هذه المقولة عبثاً، بل هي تعبير عن واقع الحال.
ومع تطور تنفيذ الأحكام في الحقوق الخاصة، التي أصبحنا نقرأ عن تنفيذها بشكل ملحوظ شبه يومي، ماذا عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضد أجهزة حكومية؟ وإلى متى لا تجد من ينفذها؟ فهناك الكثير من القضايا التي يجب تنفيذ أحكام صادرة فيها لتحقيق العدالة، وهذه القضية التي علّقت المواطن وأضرت به واحدة منها، وهي مؤلمة أكثر لأن الرجل المتضرر كان لا يريد سوى إبراء ذمته.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.