بل ألف تحية وسلام، لهذا البلد الصغير الذي يصنع بالإرادة ما عجز عنه من هو أكبر وأقوى منه في العدد والعدة، لم يخضع لبنان للضغوط التي جاءت بثياب الوساطة، لم يثنه عن الإصرار على أن حقه في الماء مثل حقه في التراب تهديدات بلباس المفاوضات، واحتفل بمشروع الاستفادة من مياه الوزاني رغم أن “الوسطاء” المنحازين دائما قاطعوا الحفل الصغير الكبير الذي لا يبعد سوى خمسمائة متر من حدود فلسطين المحتلة!، بهذا الموقف العملي يضيء لبنان شمعة في واقع العرب المظلم، ويقدم درساً آخر بعد درس تحرير أرضه المحتلة، فليس هو من أكبر البلاد العربية إن لم يكن أصغرها في المساحة وعدد السكان وقوة الجيش، وليس هو أكثرها صحة في الاقتصاد، بل إن جراحة الداخلية لا زالت طازجة، وقضاياه الداخلية الشائكة أكثر صعوبة من أي بلد عربي اخر، وقبل هذا كان لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي يلغي اتفاقا مع الدولة الصهيونية، رغم أن بيروت كانت تحت جنازير الدبابات اليهودية وجنوبه محتل وسماؤه ملعبا للطائرات الصهيونية تسرح فيها وتمرح، لم يلجأ لبنان لمجلس الأمن ولا لهيئة الأمم ،علم وآمن بحقه فمارسه، لم يعرف عن لبنان رغم وضعه الجغرافي والداخلي الحرج.. وحدوده المفتوحة مع جيش “الهجوم” الإسرائيلي لم يعرف عنه انه دعا العرب للتوسل ولا للتسول مثلما بادر البعض بنشوة ونشاء، ولم يستقبل وزير خارجية لدولة اليهود مثلما يتباهى البعض، لا في العلن ولا في الخفاء، ولم يفتح سفارة ولا مكتبا ولا ملحقا لدولة صهيون، ولو فعل لما لامه أحد، إذا كان من لا في العير ولا في النفير يتسابقون على كل كذلك، لكنه لم يفعل، لم يرفع علما لدولة العدو على أرضه بموافقته وعندما انسحب اليهود بفعل المقاومة، أحرق علم الاحتلال والعدوان.
السؤال هو من أين يستمد لبنان البلد المسالم، بلد السياحة كل هذه القوة؟، ولِمَ ينجح فيما يخفق فيه الآخرون، ولماذا لم يستثمر شطارة اللبنانيين المعروفة في زمن يدّعي فيه البعض الشطارة، من أين جاءت هذه القوة، أليس العالم هو عالم إن لم تكن معي فأنت ضدي؟، ولبنان بإصراره هذا يعلن أنه ليس معهم!؟، أليس هو عالم القطب الواحد المنحاز للاحتلال والذي يصبغ مقاومة المحتل بصبغة الإرهاب، أليس هو عالم العولمة المحكمة بخيوط في واشنطن، هل حصل لبنان على مصدر للقوة لا نعلم به ليستطيع فعل كل هذا؟، أم هو الإيمان بالحق والثبات عليه، لقد تعلم اللبنانيون من سنوات الحرب الأهلية أنهم أعلم بشئونهم وحقوقهم وهم الأقدر على أخذها، وهم يعلمون أن ثمن ذلك ليس بالأمر السهل ولكنه حق يستحق الثمن، إنه حق الوجود بكرامة، وعدم الاعتماد على الآخر والإنصات لوعوده وانتظار إفاقته من سباته، تحية للبنان وهو يواجه قولا وفعلا.. بكرامة وإباء، لم يخنع ولم يتوسل ولم يهرب إلى الأمام، تحية له وهو يقدم درسا عربيا طازجا نصر جميعا على عدم حضوره واستيعابه بل ونخاف من الاستفادة منه!.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط