اضطر أحد المواطنين إلى أن يتردد مدة أسبوعين على بلدية الروضة شرق مدينة الرياض للحصول على فسح بناء، السبب المعلن لهذا التأخير غير المبرر هو عدم وجود “كروت”!، والكروت أيها السادة جمع “كرت”، وهو ورق مقوى مطبوع عليه نموذج فسح البناء، فسح الله تعالى لنا ولكم في جناته بالدار الآخره، وكنت قد سمعت من أحد العاملين في العقار عن أزمة فسوحات وأن الفسح أصبح يحتاج أشهراً، وأخذت الأمر من قبيل المبالغة إلى أن علمت بحال هذا المواطن فصدقت حديث العقاري.
إلا أن صاحبنا المواطن “اللي ما له كرت” لم يصب باليأس وذهب يفتش هنا وهناك ويتصل بهذا وذاك إلى أن حصل على “عونه” نموذج للفسح من إحدى البلديات.. “الصديقة”!، وجاء في الساعة السابعة والربع حسب أوامر المساح، وهو يتوقع أن المشكلة حلت، فالكرت لا يزال في جيبه!، وفي التاسعة وصل المساح حيث كان يمسح هنا وهناك، واعتذر بالعذر نفسه “ما فيه كروت”، قال له صاحبنا أنه أحضر “كرتاً” لتلافي هذا النقص، وحتى يصبح له كرت، ويمكن إنهاؤه الآن، لكن المساح رفض لأن الكرت ليس من البلدية ويمكن أن يقال إنه يعطي من يريد ويمنع من لا يريد، وبهذا الرفض يقفل باب الشك وليس مهماً من المتضرر!؟، لم ييأس صاحبنا المواطن الذي ليس له “كرت” رغم أن في جيبه “كرت”، وقال للمساح إنه مستعد للدخول على سعادة رئيس البلدية لشرح الأمر له ورفع أي لوم يمكن أن يحصل على السماح، لكن الأخير استمر رافضاً وبشدة ولأنه المساح هو من سيمسح الآن ولاحقاً، سكت المواطن صابراً محتسباً، وطلب منه حل المعضلة فأعطاه موعداً جديداً مع تحذير بعدم استخدام الكرت الغريب بأي شكل من الأشكال.
هنا قلت لصاحب الفسح غير المفسوح أن معضلته سببها أنه شخصياً “ما له كرت”، ولو جاء بعشرات الكروت فعليه أن يبلها ويشرب ماءها كل يوم صباحاً الساعة السابعة والربع، ويمسح بما يتبقى على أرضه وجبهته لتخفف عليه ارتفاع ضغط الدم، وأقنعته بأن لا يتهور فلن ينفع له حتى لو حصل على كرت أحمر، لأن كل كرت له مقاس لا يعرفه إلا أهل المساحة وهو بلا كرت أساساً، والأمر العجيب أن تعطل نماذج من ورق مصالح الناس وينسى كثير من الموظفين أن عملهم هو تيسير حوائج الناس وخدمتهم من دون مَنّ ولا أذى، ونتحدث عن جذب الاستثمار للداخل فإذا كان مواطن صغير مثل هذا يغص حلم عمره بكرت من ورق مقوى، ثم سيغص بكوكبة من أصحاب السعادة المهندسين الذين لابد أن يضعوا تواقيعهم الكريمة على مخطط منزله ليتأكدوا من أنه مناسب لهم وليس له، ومناسب لهم تعني أنه مرتفع التكاليف ففيه من الحديد والأسمنت ما يشيد ثلاثة من أمثاله، فيضيع كل إدخاره في أسمنت وحديد، وأرجو ألا يأتي من يبحث عن اسم المساح واسم المواطن لأن القضية ليست فردية ولا استثنائية المشكلة في الأنظمة وطريقة تطبيقها.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط