الفقر هل يسيء للسمعة؟

جاهد عدد كبير من الصحفيين والكُتَّاب للتعريف بمشاكل الفقراء في مجتمعنا، ومما أعرفه وعاصرته، كانت هناك إشكالية كبيرة ومحبطة في صدى تناول هذا الأمر في الصحافة المحلية، وفيما كان هناك من كبار المسؤولين من يتفهم ويدقق ويساعد الحالات الإنسانية التي تصل إلى الصحافة أو تصل الصحافة إليها، كان هناك من المسؤولين من يعارض هذا الأمر ويعتبره تشويهاً لصورة المملكة.. خارجها!؟، كان لابد أن تكون هذه الصورة مزركشة وفائقة النضارة ولو بإخفاء الحقائق!؟، ولا أذيع سراً أنه تصل في وقت من الأوقات تعليمات للصحافة بالتخفيف أو عدم النشر، والعذر المعلن أن هناك قنوات رسمية لهذه الفئة تستطيع أن تذهب إليها، وهو عذر غير مقنع لكل من يعرف حال تلك القنوات الرسمية المسؤولة عن الشأن الاجتماعي.
وأتذكر، منذ سنوات طويلة، أن محرراً أعد تحقيقاً صحفياً عن سوق قديم هو من الناحية الاقتصادية سوق هامشي، لكنه من الناحية الإنسانية كان معبراً عن حالات فئات من المواطنين يمثلهم أصدق تمثيل ذلك الشيخ الذي ظهر في صورة نشرتها معظم الصحف مع سمو ولي العهد في جولته الحانية.
وقتها رفض رئيس التحرير في تلك المطبوعة نشر مثل هذا التحقيق لأنه لا يعطي الصورة الحقيقية عن المملكة رغم أنه جزء من الصورة، ورئيس التحرير معذور بحكم تلك التعليمات ولم ير في ذلك السوق الذي اندثر الآن سوى خدش للصورة المزركشة، هذه الصيغة في التعامل مع الأوضاع هي نفسها التي حكمت تناول ظاهرة المخدرات عند نشوئها حتى لم يعد من الممكن التغاضي عنها فكانت المواجهة صورة من النقيض، ومثلها التعامل مع الإيدز، وترشيد المياه، ولا أنسى بدايات التعامل مع وباء حمى الوادي المتصدع، وهذا الأخير تغير التعامل معه إعلامياً لأن سمو ولي العهد وقتها كسر الحواجز التي أريد تشييدها لتتستر على حقيقة الوضع بتلك الزيارة التاريخية لجازان أثناء ذروة المرض، وهاهو الأمير القريب من قلوب الناس وشؤونهم يكسر حواجز أخرى بزيارة لبعض الأحياء الشعبية في مدينة الرياض، وهي دعوة على أعلى مستوى لأن يكون “سمننا في في دقيقنا”، أولاً وما فاض يمكن ذلك الوقت البحث له عن مستحقين في الخارج، وليس في ذلك أي دعوة للاكتفاء الداخلي بل هو واجب المسؤولية، لقد كان من سوء حظنا أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كانت من الوزارات التي لم تستفد كثيراً من فترة الوفورات المالية وقبعت على وضعها، لم يكن لها أي دور يذكر ولا تطور يشار إليه ولم يكن يعرف عنها إلا ما يسمى الضمان الاجتماعي بصيغته القديمة غير المتواكبة مع متغيرات الواقع، رغم أن تلك الفترة كانت مرحلة “الحمل” الاجتماعي لما نعيشه الآن من “مواليد”!، ورب ضارة نافعة فقد كان للضائقة الاقتصادية، دور كبير في فتح كثير من الملفات التي تم تجاهلها، إن على المسؤولين التنفيذيين المسؤولية الأولى في عدم فتح مثل هذه الملفات والتغاضي عنها، والضغط على الصحف لإبقائها في الأدراج.
إذاً هل الفقر يسيء للسمعة أو يشوه الصورة؟ لقد قال لنا سمو ولي العهد بجولته وزيارته لبعض العائلات السعودية المحتاجة والمنقولة تلفزيونياً إن الإجابة هي بلا كبيرة، وأجزم أن التلفزيون لم يكن ليسمح ببث برنامج عن الفقر في الداخل قبل هذه الزيارة، كل هذا حفاظاً على الصورة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.