احياناً

لم تكن صدمة الإعلان المصور للفقر على المستوى الرسمي والإعلامي فقط بل انني اندهشت ان بعض المواطنين فوجئوا بمشاهد الكاميرا وهي تلتقط صورة “البقش” المعلقة على الجدار العاري في تلك الغرف الضيقة بأحوال من فيها، لذلك كان هناك تعليقات مثل.. “معقول هذا عندنا”، ومن مواطنين عاديين قيدهم روتين الحياة بأسلوب معين فلم يستطيعوا معرفة ما يدور حولهم، والحقيقة أن عامل البقالة والمغسلة ومحطة البنزين يعلم عنا أكثر مما نعلم، ودفتر المديونية في بعض البقالات في أحياء شعبية يكشف مستوى الدخل الحقيقي لكثير من الأسر السعودية.. النفطية، وفيما كان هم بعض أناس أن يتحدثوا عن أسفارهم الصيفية للخارج وترتيباتها، حتى انساق الإعلام واعتبرها من العادات الأسرية السعودية، في ذلك الوقت كان هناك أناس من أهالينا يبحثون عن سقف أو دواء، من دون مبالغة.
مثل هذا التناقض له أشباه عدة من صورها ذلك الضعف الإعلامي العام لدى الجمعيات الخيرية العاملة في الداخل على اختلاف انشطتها، فهي بقيت على أحوالها وقنعت بنفس أساليبها القديمة في الوصول لأفراد المجتمع المقتدرين، في حين أن الهيئات والجمعيات الخيرية العاملة في الخارج تطورت واكتسبت خبرات لا تقدر بثمن، وصارت صاحبة صوت أقوى فاحتلت كل المساحات واستقطبت المتطوعين المتعاطفين والمتبرعين، بل ان تلك السيادة جعلت البعض ينظرون لمن يشير إلى فقراء الداخل نظرة غير طيبة، وكأنه من معسكر مضاد، وهكذا أصبح فقراء الداخل مثل سائق التاكسي المواطن أو البائع المواطن الذي لا يحب الكثير التعامل معه خصوصاً بعض النساء، وبما أن جمعيات العمل الخيري في الخارج تراجع نشاطها كثيرا عن السابق فالمطلوب الاستفادة من إمكانياتها، وخصوصا خبراتها المتراكمة والتي لا تقدر بثمن فلماذا لا تصب في أعمال الخير في الداخل، إن تضييع مثل هذه الخبرات التي تم الحصول عليها بالعمل الميداني الصعب خسارة فادحة للعمل التطوعي في الداخل والخارج.
جانب آخر في العمل الخيري داخليا إضافة إلى الضعف الإداري الإعلامي لكثير من الجمعيات، هو دور البنوك المحلية، ولا أقصد تبرعاتها بل الإعلان عن تواجد حسابات لجمعيات الداخل مثلما كانت تفعل مع جمعيات العمل الخارجي، فمن النادر أن تجد إعلانا عن جمعية خيرية داخلية في فروع البنوك في حين أن التنبيهات عن حسابات التبرعات للخارج تجدها أمام أمين الصندوق ان لم يقتطع منك مبلغا من دون رضا نفسك، ولان العمل الخيري في الداخل مقبل بمشيئة الله على تطور وتحديث وزيادة في العناية، فلابد أن تتطور أجهزة الرقابة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على هذه الجمعيات ولابد ان تنشر ميزانياتها ليطلع عليها الناس وأن تدقق من قبل محاسبين قانونيين مشهود لهم بالنظافة المحاسبية، وليس من مؤجري الأختام.
العمل الخيري في الداخل بحاجة لخبرات العمل الخيري الذي تم في الخارج، وكلها في متناول وزارة العمل.. ادعوا لها بالتوفيق.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.