إذا قدر لك أن تزور قسم الجهاز الهضمي في المستشفى المركزي أو مجمع الرياض الطبي سوف تصاب بالدهشة، الدهشة تأتي مما يكتشف ويستخرج من بطون الناس.
أشياء عجيبة لا يمكن أن تخطر على بالك، أسلاك، بطاريات، خواتم، أغطية مشروبات قطع بلاستيكية من كل نوع، وأهم وأحلى وأطعم شيء طبعاً وهو… النقود، هناك وفرة من النقود بكل فئاتها المعدنية ومتنوعة أيضاً مما يتيح استخدامها في الأسفار وقت الحاجة.
وقد وضعت إدارة المستشفى مشكورة معرضاً صغيراً للمفقودات التي وجدت في بطون المرضى، والعجيب أن أصحابها لم يحرصوا على استرجاعها بدافع الخجل فيما يبدو، أو أن المستشفى اعتبرها من أملاكه بحكم الاستخراج.
ورغم أن زيارتي مع صحبة كريمة للمستشفى تمت قبل مدة غير قصيرة إلا أن المنظر لم يفارق ذهني، ومحتويات ذاك المعرض الصغير تصلح مادة لأي عمل فني بديع، بل يمكن للدارسين البحث في سلوكيات الناس وأنماطها الاستهلاكية.. بعد مراجعة المفقودات التي عثر عليها المستكشفون، ومن نافلة القول أن المجمع يقوم بخدمات ضخمة على الرغم من ضعف الإمكانيات وأدعو الله تعالى ألا يحوجني وإياكم لخدماته لا هو ولا غيره، أنا وكل من يقول آمين، وشاهدنا على الشاشة عملية طازجة لاستخراج نقود أيضاً، لقد كانت النقود هي أكثر الأشياء بلعاً، لكن المشكلة في القسم أنه لا يستخرج إلا النقود المعدنية فهي التي تبقى تعلن عن نفسها، مثل كل شيء صغير وكلها فئات صغيرة حقيرة، والأطفال طبعاً من أهم “البالعين”، بالعين، للنقود، ولعله إيحاء من لا وعي هؤلا ء الصبية بأهمية هذه الخردة في المستقبل القريب جداً، وكأن الطفل يأخذ النصف ريال من والده ويبلعه في الطريق ثم يعود طالباً آخر بحجة فقدان الأول، فتحولت البطون لتصبح حصالات، ولا أعتقد أن ذلك تم برعاية من الوالدين حثاً منهم، أو أن الأطفال قلدوا آباءهم، لا أعتقد ذلك على الإطلاق.
تصور معي لو أن القسم يستخرج الشيكات والعملات الورقية الملونة، لطبقت شهرته الآفاق وهناك احتمال غير صغير، في هذه الحالة، أن لا يواجه ضغطاً من المراجعين فيضطر طاقمه للعب البلوت تزجية للوقت، وإذا فهمنا بلع النقود المعدنية على أنه استعداد للمستقبل ونوع من أنواع الادخار المبكر واستثمار للطاقات والقدرات الاستيعابية، فإنني لم أفهم سبب بلع البطاريات بأحجام مختلفة وكما قلت فإن نسبة من “البالعين” من الأطفال وليس جميعهم، مما قد يعني أن هناك تعمداً يقوده هاجس لتشغيل شيء ما في الداخل، لعله لا يكون… الشعور، القسم الذي أشيد بجهوده في تنظيف البطون ومسح واستكشاف البلعوم مطالب بفتح فروع له.. سوف تقولون أين؟.. تحسسوا بطونكم.