السلام.. مصافح!

أسلوبنا في السلام على بعضنا البعض، مثل أشمغتنا … لجميع الاستخدامات، لكن في الشماغ فرق فهو عند التشخيص براق لامع “مرزامه” حاد متماسك يقف عليه العصفور، وفي الحالات الأخرى … لطمة كانت أو وسادة وغطاء، هو في وضع أخر، لكن سلامنا هو … هو، في مناسبات الأفراح والأتراح واللقاء والوداع، وليس في ذلك إشكال لو كان التعبير الجسدي سهل، لكنه معقد، ولم تصدر له مواصفات ومقاييس لها قيمة الإلزام، مثل أشياء كثيرة مما حوالينا،
التقبيل بجوار الخدود أو في الهواء عدده يختلف عند كل شخص، حتى ولو قال بعضكم أنه ثلاث بصمات في الهواء تبدأ من على أو بجوار الخد الأيمن لتنتهي بجواره أيضا، فإن الواقع يختلف هناك من يجعلها أكثر تعبيرا عن مقدار اللهفة والمحبة، إلى درجة مضحكة، وهناك من يحاول أن يكون عادلا بين الجهتين فيوازن في عدد القبلات أو البصمات، ولأنه بدأ من اليمين ويريد أن ينتهي في نفس الجهة يحدث لدية ارتباك في العدد، ولو أمكنه لطلب وقتا مستقطعا! ليقوم بالعد والتأكد ثم يتابع!، آخر يعتقد أن واحدة من بصم الخدود غير كاملة فيعيدها، وهناك من يبدأ من اليسار مخالفا القواعد فتحدث حوادث اصطدام يدفع ثمنها الأنف، كل هذا يحدث لنا جميعا ويوميا، اعتدنا عليه بطريقة آليه، تنتبه معها أحيانا لتجد أن رأسك بل خدك “يطو طح” في الهواء لوحده!.
في الأفراح الأمر مفهوم ومقبول، لكنه في العزاء والمصاب أكثر إجهاداً وتكلفة، ومع ذلك يحرص كل منا على بصمته الغالية، وكأن عزاءه ومشاركته في المصاب لن تقبل، أو أن البصمة والختم لا تكون واضحة إلا بالتعبير الجسدي الكامل، وطريقتنا في العزاء أقولها بفم مملوء ليس فيها القدر من الإنسانية المماثل للمشاعر التي جاءت بنا للمشاركة والتعبير عن الحزن، ينسى كثير منا عظمة اللحظة ويعود يقوم بتلك الآلية ال.. المبرمج عليها، ناسيا المقام والمقابل، ومع أن بعض المتطوعين يصرخون قائلين … السلام.. مصافح، إلا أن الأغلبية لا تستجيب، فهي قد برمجت وتستقبل الصورة التي أمامها ثم تعيد نسختها.. على نفس الخد!!،وإذا ما تذكرنا الأعداد عرفنا مقدار الإجهاد والدوخة التي نجلبها بحسن نية لمحزون قدمنا لنواسيه!!.
وعلى تعقيد سلامنا وكونه نسخاً مكررة متعدد الاستخدامات مثل الشماغ والكبسة، فهو أسهل من طريقة سلام إخواننا من أهل السودان، فقد حاولت تعلم تلك الطريقة ولم أفلح رغم جهود بعض الأصدقاء السودانيين، وكلما تذكرت تعقيد طريقتنا في السلام وإجهادها لكبار السن والمصابين، أعزي نفسي قائلا الحمد لله أنها أسهل من طريقة أهل السودان، وغني عن القول أنني أتحدث عن طريق سلام الرجال على الرجال أما عن سلام النساء على النساء فحدث ولاحرج!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.