من يمدح السوق!؟

ما يمدح السوق إلاّ من ربح فيه، ومن الذي لا يركض وراء الربح..، كلنا نلهث وراءه، بعض منا يدقق في مصدره ويسأل ويبحث، وبعض آخر لا يهتم كثيراً، لكني أستغرب من أولئك الذين يغمضون أعينهم متى ما أرادوا، بل متى ما طارت بعقولهم نسب الأرباح الضخمة، ويتحولون إلى مدافعين عن من أوقعهم في الفخ مثل شركات على باباً للاستثمار، هذه المقدمة تأتي من ردود فعل بعض الاخوة المودعين الذين جمدت أموالهم في حسابات شركات أو مؤسسات بل مكاتب توظيف الأموال، لقد صب بعض أولئك جام غضبهم على قرار التجميد وأتفق معهم لكني أختلف في أني أراه متأخراً كثيراً مثلما أشرت يوم الثلاثاء في حين يرون هم أنه ظالم فقط لا غير!!؟
وتاريخنا الاقتصادي الحاضر مليء بقصص لازلنا نتذكرها، من الطوير إلى الاجهوري، وبجولة في قائمة الجهات التي قامت بتوظيف الأموال والتي تركزت في المنطقة الشرقية، يعجب الإنسان أشد العجب، فمن أسمائها تجد أنها مكاتب عقارية ومحلات لبيع العود والعسل وخدمات فضفاضة، وكل هذه الأنشطة لا يمكن أن تدر مثل تلك الأرباح الكبيرة، اللهم إلاّ إذا كانت تبيع الهواء من غير تعليب!! ولا يشترط عليها نسبة الأوكسجين!، لكن البعض منا يبحث عن الربح وكلما زادت نسبته توارت الأسئلة، وبرز بدلاً منها الترويج والذكر الحسن الذي يزيد من عدد الضحايا، وهي شبيه بأساليب التسويق التي تقول للمستهدف أقنع معك شخصاً آخر وتحصل على نسبة خصم، وقد تصل للمجانية إذا ما استطعت إقناع مجموعة كبيرة، هي صورة من صور الاستغلال.
جريدة اليوم في منتصف رمضان المبارك الماضي نشرت رسالة من القارئ محمد الدوسري، وصف فيها مأساته مع شركة توظيف أموال كويتية طارت بكل ما يملك هو واخوته، وقال في نهاية رسالته “فاحذروا يا من تستثمرون أموالكم في الداخل فكل هذه الشركات سواء”.
التحذير ليس جديداً، بل ان المستمتعين بالأرباح كانوا يرونه نوعاً من الحسد وأن البنوك تقف وراءه ولم يعلموا أن بعض البنوك كانت شريكة، وهي ربحت منهم ولم يحصلوا سوى على الخسائر.
رسالة محمد الدوسري كشفت بصدق وألم كيفية الوقوع في مثل هذه المصائب، وهو ما يمكن أن يحصل لأي منا شرط ان يتوفر شيء من الطموح المالي الأعمى، وملخص قصة الدوسري أنه قبل عامين كان يجلس مع ثلاثة من أعز أصدقائه يستمعون لواحد منهم وهو يتحدث عن شركة توظيف أموال كويتية تعطي أرباحاً ضخمة وتتيح للمودع أن يحصل على رأس ماله متى شاء، وبيّن المتحدث أنه أحد الرابحين، وأصبح هذا الحديث يتكرر مع تغيير في أن المودع إما يستأذن ليصرف شيكاً أو يأتي بخبر زيادة الأرباح، بقية المجموعة كانت حذرة “مثلي ومثلك الحين”!، ولكن كثر الطرق يفك اللحام فبدأت المجموعة تتنازل رويداً رويداً: “معك عنوانهم”؟
“طيب وشلون نشترك”!؟، وهكذا، بعضهم اشترى سيارات بالتقسيط بحثاً عن السيولة، وآخرون جمعوا ما لديهم وانضموا إلى الركب، وصار صاحبنا يحدث نفسه ومن حوله يساعدونه، ومن ضمن الأسباب التي دفعت به من حافة الشك إلى حضن اليقين أن الشركة تتاجر في المواد الغذائية و”النفط مقابل الغذاء”!!، المهم أن الدوسري جمع ميراثه وميراث اخوته ووضعه لدى الشركة وقلبه وجل، فإذا تحدث لأصدقائه عن شكوكه قالوا له: “لا توسوس.. وشف فلان وشف علان، إلى ان أعيد شيك أحد المودعين لعدم وجود رصيد، وانكشفت الشركة ومعها أرصدة المودعين، ويلخص المسروق محمد الدوسري النتيجة لمجموعة زملائه الذين رمز لهم بحروف كالتالي: الأول استرد رأس ماله لا له ولا عليه، ب وج استردا 50% من رأس مالهما، على هيئة أرباح طبعاً!؟، أما هو فلم يحصل على ريال واحد وطار الميراث أزيدكم من الشعر بيتاً، نشرت جريدة الجزيرة تصريحاً منسوباً لأحد “القريبين”.. من أحد أصحاب تلك الشركات!!، قال فيه أنه يؤيد قرار التجميد بسبب الفوضى التي عمت هذا النشاط!!، وإجابة على سؤال عن ضخامة الأرباح قال أن السودان يعيش طفرة اقتصادية تسمح بتحقيق هذه النسب المرتفعة!!، “كثر من هالكلام”.. طفرة اقتصادية وفي السودان!، وهل السودان بعيد لتصبح طفرته سراً محتكراً.. اسأل أي سوداني ويخبرك الحقيقة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.