حاشي التشريف .. والبلديات

في تحقيقه المتميز عن سوق اللحوم في القصيم أبى الصحفي سعود المطيري، إلا أن يضحكني بما أسماه “حاشي التشريف”، وسعود المطيري لمن لا يعرفه صحفي مختلف نادر النوعية، مشكلته حضوره الصحفي المتقطع.
أما حاشي التشريف فهو حاشي حي يوضع في “حوض ددسن” أمام محل الجزارة ليوحي للزبون بطزاجة اللحوم، وطازجية اللحوم هوس لدى بعضنا يصل إلى درجة الوسوسة، ولعل في ولع هؤلاء بالكبدة النيئة، وحرارة اللحم ما يغني عن الزيادة في الشرح.
يقول سعود في تحقيقه المنشور يوم الأربعاء إن حاشي التشريف يتم تأجيره على أكثر من محل حيث يوضع أمامه ليتم اصطياد الزبون، فيدور الحاشي وهو في “حوض الوانيت” كل يوم أمام محل مختلف، وبمبلغ محدد.
هذا الحاشي وجدت فيه موضوعاً مغرياً للكتابة عن انطباعاته وهو جالس “متورض” في حوض الوانيت لا يظهر منه سوى تلك الرقبة “الهيفاء” وشيء من سنام، يتلفت يميناً ويساراً مفكراً، هازاً رأسه بين فينة وأخرى وكأنه وهو المجبر على فرجة أشبه بالتعذيب، كأنه مما يشاهده من أشلاء يتنهد قائلاً بحسرة هذه آخرتها.. يا سنام!
لكن القارئ يستشف من التحقيق أن المحرر يشكو من حال اللحوم والأختام التي تبين مدى حقيقة وضعها الصحي..، والغش والتلاعب بتلك الأختام في الأسياح، وكأنه يعتقد أن ذلك لا يحدث في المدن الكبرى، الحال يا سعود واحد، ويمكن لك أن تضيف للغش والأختام القديمة سهلة التزوير، طريقة نقل اللحوم أو “جطلها” على الأصح.
البلديات يا سعود تعيش عصر الأختام القديمة التي تجاوزتها بلدان ندعي أننا أكثر تطوراً منها!! هي في الواقع لم تتجدد وتتطور سوى بجباية الرسوم، وملاحقة أصحاب المنشآت الصغيرة التي إذا أرادوا لها أن تتطور وتتحسن، مطلوب منهم فقط أن يبعدوا عنها يد البلديات “الحانية”، ليس هذا هو الموضوع الرئيس، بل هي شكوى وردت في التحقيق من مواطن يزاول هذه المهنة، الجزارة ويشتكي من أنه لا يستطيع البيع مع منافسة العمالة الوافدة.
وأنا مثل بعضكم ينشرح صدري عندما أرى مواطناً كبيراً في السن لا زال يعمل في إحدى المهن الأساسية التي استولت عليها العمالة الوافدة، وأحرص مثل بعضكم على التعامل معه، ومع أن أمثال هؤلاء – وهم قليل – لا زالوا صامدين رغم عوامل السوق الضاغطة الطاردة إلا أنه لا أحد يفكر في حمايتهم ومساعدتهم على البقاء بحل مشاكلهم التي تبدأ بالمنافسة غير المشروعة ولا تنتهي أبداً، هذا الإهمال يقابله حملة كبيرة تحت اسم السعودة وتوظيف الشباب، ليتها تطبق بحذافيرها.
لكن مع هذه الحملة ماذا عن المحافظة على هؤلاء الصامدين!؟، كثير من المهن لدينا تضيع ولا يتعلمها الأبناء من آبائهم للأسف، لماذا لا يتم المحافظة على هؤلاء البقية الباقية منا التي لا زالت تقول إنه “ما فينا نقص”، رغم كل هجمات رجال القطاع الخاص على إنتاجية السعودي التي ليس لها سوى سبب وحيد هو التنصل من تحمل المسؤولية.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.