طبيب جراح تحت الضغط

هل تذكرون قصة السيدة التي تم استئصال معدتها بالكامل على أنها مصابة بورم خبيث؟ وبعد عملية الاستئصال اكتشف أن المعدة سليمة!، وأن الخطأ حصل من تشخيص المختبر.
كتبت عن هذه المأساة في 2002/6/9، ولإنعاش ذاكرة القارئ لابد من التذكير أن المستشفى التخصصي بالرياض قام بالرد على مقالي بتاريخ 2002/6/25مبينا أن الإجراء كان سليماً، وليس هناك خطأ.
السيدة توفيت رحمها الله وغفر لها، ولذويها مني صادق العزاء، والقضية لازالت بين ابنائها والمستشفى، الجدير في الأمر أن الطبيب الجراح الذي قام بإجراء العملية بناء على ذلك التشخيص الخاطئ يتعرض لضغوط من إدارة المستشفى وسبب حملة التطفيش التي يواجهها هذا الجراح السعودي هو أنه كان صادقاً وأميناً مع المريضة، هذا الصدق وتلك الأمانة سببا حرجاً للمستشفى ومثل كل إدارة عاجزة بدلا من أن تبحث عن أسباب الأخطاء ثم إصلاحها لجأت إلى الخيار الإداري الأعرج الذي يلجأ إليه كل إداري لا يستطيع مواجهة الأخطاء وهو تطفيش الموظف والأسلوب المتبع عند مثل هذه الإدارات لتطفيش الموظف يعتمد عدة عناصر أهمها “توريم” من الورم، الملف ويتم ذلك بوضع أورام خبيثة فيه مثل لفت النظر والإنذارات ولا يحتاج لأساس يستحق لمثل هذه الأمور، ولعلي في مقال أخر أستعرض بإسهاب تلك الأساليب الإدارية المتفشية في أوساطنا.
كان على الطبيب الجراح السعودي الذي يعتبر علَماً في جراحة الكبد والجهاز الهضمي والبنكرياس وتعلم علي يديه أجيال من الجراحين، كان على هذا الجراح أن يخاف إدارة المستشفى ولا يخاف الله تعالى والعياذ بالله، كان عليه أن يصمت ويتستر على السر ليذهب السر إلى القبر، مثل غيره من الأسرار الطبية، كان عليه أن يقتل ضميره المهني وحقوق المريض عليه، والعجيب أن نظام المستشفى المعلن في ما يسمى “لائحة حقوق المرضى” يؤكد على ضرورة إطلاع المريض على ماتم وسيتم.
لكن ما يعلن غير ما ينفذ!!.
وأتذكر عندما وصلتني رسالة ابن السيدة رحمها الله أنه أشاد بالطبيب الجراح وشكره على مصداقيته، لأنه كان يعلم أن التشخيص الخاطئ جاء من طبيب المختبر “المؤقت” والذي استعيرت خدماته مؤقتا ولم يشرف عليه أحد أقدم منه ليصادق على تشخيصه فكانت الكارثة بمعنى أن المعايير الطبية الإدارية لم تطبق كما يجب، ومع ذلك يتم القفز على هذا الخطأ المختبري الإداري ويتم التستر عليه ويكون الضحية المريضة ثم يأتي دور.. الطبيب الجراح.
وتتعامل إدارة المستشفى التخصصي مع هذه القضية بصورتين الأولى لخارج المستشفى وهي التي تؤكد أن المريضة كانت مصابة بورم خبيث رغم أن هناك ما يثبت أنه كان احتمالاً قابلاً للنقض، ويمكن التعامل معه بطريقة جراحية أخرى خصوصا من جراح قدير مشهود له بالكفاءة وله عشرون عاما في هذه المهنة، الصورة الثانية لتعامل الإدارة مع القضية داخلية تتلخص في وجوب أن يصمت الأطباء ولا يخبرون المرضى بالحقائق لأن سمعة المستشفى أهم من حياة المريض وحتى لا ينزلق المستشفى في دهاليز التعويضات، وهذه كارثة، ولهذا يراد أن يكون الطبيب الجراح عبرة لزملائه الأطباء، يجب أن يعلموا أن الصمت حكمة وأن الإنجازات مستمرة!!.
تجتهد إدارة المستشفى في تطفيش ومحاصرة الطبيب الجراح وقد لا يكون الوحيد الذي يعاني، ولا تعلم أنها في الحقيقة تحط من سمعة المستشفى وتقوده للانهيار، لأنها تحارب الصدق والأمانة، وبدلا من ان تكثف جهودها لمواجهة النقص في مواد أساسية مثل المضادات الحيوية، الأسرة وحتى “الغرز”، تضغط على الطبيب وتسحب منه الأسرة شيئا فشيئا رغم أن مرضى السرطان ينتظرون .. وتقدم أكثر من خمسة عشر سيارة أمريكية جديدة لكبار الموظفين؟؟.
كل هذا وغيره يشير إلى أن مستشفى الملك فيصل التخصصي مريض ويحتاج إلى تدخل جراحي عاجل.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.