(نخر ونهب)

كلما رأيت صورة رئيس لشركة أو مدير فيها، أتذكر أبرز إعلاناتها، بل إن الصور تتداخل في مخيلتي، وينسحب هذا التداخل على أعضاء مجلس إدارة الشركة وكل العاملين. تصغر الصورة بصغر موقع الموظف وتكبر كلما علا مستوى المنصب.
إذا كان الإعلان الأكثر بروزاً يحترم أفراد المجتمع وعقولهم، ويقدر القيم التي تجمعهم ويحرص على أطفالهم ومراهقيهم، ترتفع تلك الصورة في مخيلتي إلى أعلى بإشراق يعانق أسباب الاحترام بل وتدفع إليه، أما إذا كان الإعلان عكس ذلك، فإن الصورة تنحدر إلى أسفل، ولا تغير في تفاصيلها نشاطات وفعاليات ولا حتى تبرعات خيرية.
ولا أنسى أنني عندما رأيت مسؤولاً في إحدى الشركات يتحدث في مناسبة عامة عن قضايا عامة طغى في مخيلتي على صوته صوت إعلان سيئ لمنتج روجته شركته، فلم تنصت لأصوات المطالبين بإيقافه.
خلاصة الأمر أن كبار المسؤولين في الشركات، كما الجهات الأخرى، معنيون بإعلانات شركاتهم ومنتجاتها، وهي، شاؤوا أم أبوا، تعبر عنهم حقيقة التعبير، وتمثل شكلاً من أدبياتهم وبما يتغاضون عنه أو يسمحون به، لأنها لم تمر إلا بموافقتهم أو عدم رفضهم، وإيكالها لشركات إعلان لا تعرف «كوعها من كرسوعها»، لا يقلل من المسؤولية قيد..»نملة».
ومثلما ينطبق الأمر على المنتجات ينطبق أيضاً على الخدمات، فعلى سبيل المثال، الرسائل الإعلانية التي تصل إلى جوالك من خلال أبراج شركة اتصال هي تعبر عن كبار المسؤولين فيها، والسماح لمن هب ودب من الوسطاء وغيرهم باستغلال المجتمع ونخر نقاط ضعف فيه، من دون أي قدر من الاهتمام، يشير في ما يشير إلى سلوكيات مستترة متوافرة في مستويات أعلى. ووكالة السيارات التي تحرص في إعلاناتها عن مركباتها على السرعة والتفحيط، هي في الحقيقة تعلن عن عدم اهتمامها بسلامتك وسلامة أبنائك، وتقول بصوت مكرور مثل إعلاناتها إنها غير معنية إلا بمالك، وهذه الرسالة لم تمر إلا بعد إجازتها من مسؤولي تلك الشركات.
الأمثلة كثيرة وقد أورد بعضاً منها في مقال آخر، لكنني هنا أكتفي بالتلميح، طمعاً في أن يتأثر البعض ويعيد حساباته وحملاته الإعلانية وسماحه لآخرين بنخر المجتمع وشفط ما تبقى مع أفراده.
إن المسؤولية الاجتماعية التي تصاعد الحديث عنها، أخيراً، وعن واجب تجاهها، لا تنحصر في تبرع هنا وهناك، بل تتسع آفاقها لتشمل أبعاداً أعمق، منها أن الحرص على المجتمع ناتج من حرص المعني على أهله وأحبابه، وأن «الدعوى» ليست «نهابة» لوعاء ينخر بكل قدرة ممكنة.
توضيح:
في مقال «حاجة ترفع الرأس»، أوردت بالخطأ اسم «الشركة السعودية لأنابيب الصلب»، والحقيقة أنه لا علاقة لهذه الشركة بقضية سحب علامة الجودة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث إن الشركة التي نشرت عنها «رويترز» وعلّق أحد مسؤوليها ذلك التعليق الغريب هي «شركة الصناعات السعودية للأنابيب»، فعذراً للاخوة القراء وللشركة الأولى، وأشكرهم على التنبيه لذلك.

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على (نخر ونهب)

  1. عبدالعزيز كتب:

    الحقيقة ان اغبى اعلانات هي اعلانات شركة الاتصالات السعودية
    وهي اعلانات غالبها سخيف وبعيد ان ايصال الهدف
    الامثلة كثيرة جدا ولعل اخرها
    من هي جود !!!!!!
    ولد والا بنت !!! واللي متعود قطاف متعود خيارات !!!!
    وخطان بالمجان !!!!!
    اعتقد ان شركة الاتصالات اخر تفكيرها هو احترام عقليات عملاؤها

التعليقات مغلقة.