ضرب

لم نعد نقرأ تصريحات بعض المسؤولين عن الضرب بيد من حديد على من تسوّل له نفسه بهذا أو ذاك من الأفعال المضرة الناخرة كالسوس في المجتمع والاقتصاد، على رغم استمرار خنق تلك الأفعال للثقة.
أبحث عن السبب وراء هذا الاختفاء لليد الحديدية، هل كان جراء ارتفاع سعر الحديد وتخزين الفائض منه؟ أم أنها قراءة «خالطة»… خاطئة لفعل «تسول»، إذ أن التسول بفتحة على حرف التاء صار شائعاً، فأصبحت النفس تتسول نفوس آخرين، فإذا لم يجد المتسول أحداً… تسول ظله، وعندما تسول النفس لصاحبها فهي تضم إلى داخلها أشياء مخفية عن الغير، أما في حالة تسولها فهي تكشف أشياء للجميع.
ربما يكون سبب اختفاء «الضرب» بيد من حديد كون الضرب أصبح فعلاً مكروهاً مع تنامي وعي المجتمع ورفضه لحوادث ضرب الآباء أبناءهم، والأزواج زوجاتهم، والمعلمين طلبتهم، وقد يكون لتصاعد نشاط حقوق الإنسان وارتفاع صوتها دور في هذا الشق.
لكننا في الشق الاجتماعي شاهدنا وقرأنا أحداثاً مغايرة، ضرب فيها طلاب معلميهم واعتدى فيها أبناء على والديهم، كأن خاصية الضرب تحولت، بيد قادر، من طرف إلى آخر. يظهر لي أن التحول سابق في قضايا الفساد فهو يضرب بقوة في بطن ورأس الاقتصاد، ويثخن المجتمع بالجراح مضعفاً الثقة بأجهزة حكومية… لا تسألني عن هذه إلى أين وصلت؟
اليد الحديدية ما زالت غير حاضرة لضرب الفساد مع أنظمة تسمح وتتيح استخدامها ووضوح الأضرار والتجاوزات بلغ مقاييس عليا، في حين يستمر الضرب بيد من طحين، لهذا لا ترى أثراً له ولا لنتائجه في الردع، التداعيات والمضاعفات الخطرة، من وضع كهذا أن عدم الضرب بيد الحديد أسهم في ارتفاع وتيرة التجاوزات والمخالفات واللعب على المكشوف، أليس من المثير تكاثر عدد النصابين والمختفين بأموال الناس وبعض منهم كانت صورهم تنشر في الصحف على أنهم رجال أعمال؟
أصبح الطحين يتطاير في الهواء فلا تستطيع يد من أي مادة صنعت ضربه أو الإمساك به، ويغوص الحديد في الأعماق لثقله فلا يرى كأنه حبة ملح، لا يتبقى على السطح سوى عيدان الكبريت الخفيفة، تجدها في أخبار تنشر بين فترة وأخرى عن صغار المرتشين والرشاة ومعها صورهم… وهم مندهشون؟ وأنت وأنا واقعان في خانة الدهشة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.