«تعاميم»

من أكثر الإجراءات شيوعاً في الإدارة الحكومية… «التعميم»، تفرضه ضخامة الجهاز والمسافة بين رأس الهرم الإداري وموظف مكلف بالتنفيذ. يمر خطاب التعميم على عدد لا بأس به من كبار الموظفين تنازلياً، أكثر الشروحات شيوعاً «يعمل بموجبه ويعمم على جميع الإدارات». أخيراً يصل التعميم للحفظ في ملف التعاميم. وميزة التعاميم أنها لا تكتشف بسهولة، تبقى مضامينها مخزنة في رأس موظف… ما، وكل موظف وقدرته على التخزين، يتناول التعميم في العادة، إنفاذ إجراء جديد معيّن، أو إلغاء إجراء سابق. في الشق الأمني تكون للتعميم أهمية أكبر، إذ يعمم على مطلوب أمنياً مثلاً، أيضاً يختزن الاسم وربما الصورة في رأس المكلف.
إذا دخلت إدارة حكومية لن تجد دليلاً للتعاميم، إنها في الأرشيف، عبارة عن بقايا صور خطابات أصلية وشروحات، ربما تكون من ذلك الورق الشفاف السريع التمزق، وقد يكون معنياً بالتعميم قطاع كبير من الناس لكنهم لا يستطيعون الوصول إليه أو الحصول على نسخة منه، مع انه يعنيهم وربما يحدد مستقبلهم.
في السعودية كلف معهد الإدارة العامة أخيراً بقياس أداء الجهات الحكومية، المقترح عليه أن يبدأ في توجيه الجهات الحكومية بطبع أدلة للتعاميم، رقم وتاريخ التعميم وموجز واضح عن مضمونه، ويتاح هذا الدليل للمراجعين. أيضاً من الاقتراحات لمعهد الإدارة وهو المكلف بمهمة كبيرة، توجيه الجهات الحكومية بوضع دليل للإجراءات الخاصة بها، هذا الدليل يشرح أسلوب العمل والتعامل مع مختلف القضايا للموظفين أنفسهم، للرجوع إليه عند الحاجة تحفظ فيه الخبرة المتراكمة، عادة تكون هذه الخبرة مخزنة في رأس بعض قدماء الموظفين، وتتبخر بتقاعدهم أو مزاج بعضهم.
الواقع الماثل حالياً مشابه لحال «التوصيف» أي الاستدلال في شوارعنا، كيف؟ بحسب حالة الموظف يجيب على سؤال المراجع، وقد يوجّهه إلى الجهة الخطأ، لذلك ترى المراجعين في الإدارات الحكومية مقطوعي النفس بسبب كثرة النزول والصعود والتردد، مع إلحاح في السؤال وعرق متناثر. هذا الوضع يتيح لبعض الموظفين وحتى المديرين اللجوء لزحلقة المراجع، انسجاماً مع الحكمة الإدارية المعمول بها في العالم الثالث «الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح».
هي أفكار سبق وتطرقت لها أهديها لمعهد الإدارة مع تذكير برؤية سابقة خاصة بقياس أداء الأجهزة الحكومية، تتلخص في ضرورة الاهتمام برأي الناس المشمولين بالخدمة، وقياس الأداء من دون اعتماد على عمود وحيد هو تقارير الجهة، لئلا نقع في مطب «صبه احقنه».

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.